الخميس، 5 مارس 2015

الكاتب محمد بقوح

نشرت من طرف : ABDOUHAKKI  |  في  8:50 ص

الكاتب محمد بقوح
تصالح الدولة المغربية، مع الذات الثقافية للمغرب العميق، بمعناها المركب الشمولي
خاص بالمجلة
بدءا أشكركم على التواصل مع مجلتكم المحترمة، كما يسعدني الرد على أسئلتكم الهامة، حول موضوع السؤال الثقافي المغربي الراهن، و هي الآتي أدناه .
1- ما هو موقفك مما يكتنف المشهد الثقافي المغربي من ضبابية وغياب الرؤية الواضحة ؟
يبدو لنا المشهد الثقافي المغربي، كغابة أسئلة كثيفة.. متداخلة الفروع و الأغصان، ما فتئت تكبر و تتسع، مع توالي الانفلات الثقافي، و الانحصار الاجتماعي السائد و المهيمن، بل و تتخذ في الآونة الأخيرة، صورة مركّبة من "ثقافتين"، إذا صحّ التعبير – على سبيل التشبيه فقط – كما لو كان هذا المشهد صورة جسد "حورية البحر"، تتميز من جهة، بسطح مغربي "مثالي" غني، بسيط .. فلكلوري .. بديع .. و مُغري .. و فاعل .. بمهرجاناته الكمية، على جميع مستويات الثقافة الفنية و السينمائية و القرائية، عبر كل التراب الوطني .. و هي صورة واقع للاستهلاك الترفيهي الفرجوي، أكثر مما تعبر عن النزعة الوطنية التحريرية المنشودة .
كما يتميز، من جهة أخرى، بعمق مغربي "واقعي" فقير، و معّقد، منسي و مهمش، و منفعل .. مع التأكيد على شرعية و مصداقية، بل هيمنة الجزء السطحي المشعّ، لهذا الكلّ الثقافي المغربي المفكك و المتناقض، و المنقسم على ذاته، لأنه واقع مدعم و محتضن، من قبل مؤسسات الدولة المادية و الرمزية، و من يصول حول فلكها الرسمي، باعتبار هذا المغرب الثقافي الأفقي "الجميل"، كما يُنعت في الغالب، يخدم و يترجم من خلال إنتاجه الثقافي المختار و الموجّه، خاصة في شقه الفني، الخيارات السياسية المطلوبة للسلطة الوصية على القطاع .

2 – أين يكمن الخلل في نظرك : في السياسة الثقافية، أم في اهتزاز قيم بعض المثقفين ، و بعض مظاهر الفساد الثقافي،  أم فيهما معا ؟
من هنا، نرى أن تفسير ظاهرة، ما يمكننا تسميته ب" بؤس الثقافة " في المغرب الراهن، بنزعته الملتبسة، و واقعه التائه و المرتجل، رغم أصباغه المثيرة الكثيفة، و أقنعته الوظيفية العديدة، يحتاج إلى الأخذ بعين الاعتبار، التفكير في هذا التناقض الداخلي، و الشرخ العميق، الذي تعاني منه الثقافة المغربية، في الزمن المغربي الحالي. و هو واقع، كيفما كان الحال، يعكس الخيارات السياسية المعتمدَة، بشكل أساسي، من قبل صانعي القرار الثقافي المغربي، و أيضا، يتجه بالخصوص لخدمة طبقات اجتماعية معينة، دون باقي الشرائح الأخرى، من المجتمع المغربي .
هكذا، تتحول الثقافة المغربية، و هي بين أيدي محتضنيها الرسميين، و محتكريها المتواطئين و المتهافتين، سواء كانوا مؤسسات الدولة، أو خواصا منشغلين أكثر بالربح المادي، و يهمّهم خاصة الهاجس التجاري، إلى أداة طيّعة ل"تخدير" الشعب، و ليس تحريره، و التعبير عن حاجياته الفكرية و الثقافية و الفنية و الجمالية، حماية له بصفة عملية، و تحصينا فعليا لهويته المغربية و الانسانية، و ليس إفسادا لقيمه و مثله العليا، و تشويشا على توازناته الثقافية و الاجتماعية الثابتة، بالإلقاء به قسرا، داخل متاهة ثقافة السوق المرتجلة و اللامسؤولة، كما نلاحظ اليوم، في سياق الواقع الثقافي المغربي، الذي يمكننا تسميته، بدون أي تحفظ، بالواقع التراجيدي بامتياز.
3 – ماهي في نظرك الحلول القمينة بإعادة الاعتبار لدور الثقافة والمثقف، في المشاركة في بناء الثروة اللامادية للمغرب اليوم وغذا ؟
هكذا، نستنتج أن الملامح التراجيدية، المرتبطة بعمق الواقع الثقافي المغربي، هي ملامح و خصوصيات المغرب الاجتماعي المنسي و المهمّش. و بالتالي، لا يمكن إعادة الاعتبار للمسألة الثقافية المغربية، و المثقف المغربي، إلا إذا عملت الدولة المغربية، على التعامل الجدي و الجاد و المسؤول، مع ما هو ثقافي في المغرب الراهن، ليس من منظور ما هو سياسي أو أيديولوجي أو جغرافي أو تاريخي، و ذلك، ليس وفق سياسة توظيفية و توجيهية، أو إقصائية و أيديولوجية ضيقة الأفق، و إنما بالعمل الفعلي على سنّ سياسة ثقافية ديمقراطية و وطنية حقيقية، تنصف.. و تهمّ جميع شرائح المجتمع المغربي، من شماله إلى جنوبه، و من غربه إلى شرقه، باعتبار المسألة الثقافية باتت حقا من حقوقه الأساسية الحتمية . و لن يتحقق، في نظرنا، هذا الواقع الممكن، الذي نفترضه هنا طبعا للثقافة المغربية، كمكوّن متنوع عام، فكري و ابداعي، متعدد الأصول و المتلقين، إلّا إذا تصالح نسقُ سلطة الدولة، كفاعل سياسي مسؤول، مع الثقافة و المثقف في المغرب الحديث، بمفهومهما المعرفي الشمولي المُؤسِّسين و المبدعين، و ليس المستهلكين التقليديين التابعين!! 

من هنا نعتبر هذا الافتراض، مدخلا أساسيا لتصالح الدولة المغربية، مع الذات الثقافية للمغرب العميق، بمعناها المركب الشمولي، كما أسلفنا، و ليس بمعناها الانتقائي السطحي، و كذلك المصالحة مع المجتمع المغربي، في عمقه الاجتماعي،  كشعب ذكي، له هوية و ذاكرة و تاريخ، كما له طموح كبير إلى تأسيس الأفق المختلف، في زمن عالمي تنافسي منفتح، يراهن بصفة خاصة، على ما هو ثقافي و قيمي و علمي و معرفي، للمساهمة في التأسيس الفعلي .. لمستقبل مجتمعي مغربي متطور و متعلم، و بناء أجيال واعية بذاتها، و راقية في ذوقها الفني و الثقافي و الجمالي، و أيضا مسؤولة حين تفكر، أو تبادر للعمل في كل محطات مسار حياتها الحرة . 

التسميات :

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

0 التعليقات:


اخبار الأدب والثقافة

الآراء الواردة في المقالات والبلاغات تعبرعن أصحابها وليس إدارة التحريرــ الآراء الواردة في المقالات والبلاغات تعبرعن أصحابها وليس إدارة التحرير back to top