الوضع الثقافي بالمغرب ....انتهى زمن العرافات عبد الإله بسكمار
بالمختصر المفيد ، أخوكم يؤمن بالثفافة كحاملة للقيم ورافعة لها ... القناعة تتأسس على الثقافة الملتحمة بقضايا مجتمعنا ، الساعية لفهم المحيط والمتوجهة نحو المستقبل ، والمحور دائما هو الإنسان ، وبديهي هنا أن المفهوم يتعلق بالإطار الخاص للثقافة أي الفكر والإبداع والفن في مختلف تمظهراتها وفي إخلاصها وصدقيتها ( أقصد النبل الفني والمعرفي ) وتمثلها الجمالي للواقع السريع التحولات والذي تسعى عدد من الآليات الجهنمية إلى تعليبه وتبضيعه وعبره صنع إنسان ذي بعد واحد( أي بالأحرى تضبيعه ) : الاستهلاك ومنطق السوق ولاشيء سواهما....لقد طغى التهافت والتنميط والاستسهال على كل المجالات الثقافية في حين تراجع الفهم الرصين والفكر العميق والإبداع القلق المتسائل عبر عولمة كاسحة أدت وتؤدي ثمنها الشعوب المستضعفة بشكل عام وداخل المجتمعات زادت الهوة بين الفئات مما عمق التناقضات بدل أوهام مجتمع الرفاهية الذي بشرت به القطبية الأحادية.... رغم وجود أصوات رافضة للوضع متمردة على الآلية والنمطية والسوقية العمياء ....
الوضع أصبح كارثيا بالنسبة للثقافة المغربية ، تراجع الفكر والتحليل وإعمال الذهن والأفق النقدي طيلة العقد الأخير ، علما بأنه هو نفسه إفراز لأوضاع وتراكمات سابقة عبرت عنها المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية ومن يسمون أنفسهم مثقفين واستتبع المثقف أو " تاب إلى رشده " بالتفكير في " دواير الزمان " أو النكوص إلى الوراء ، وهنا توزع المثقفون طرائق قددا لكن الاتجاه الغالب هو محاولة النجاة بالذات .....باع الكثيرون مواقفهم وضمائرهم وقيمهم وأصبحوا مجرد لاهطين على موائد السلطة أو خماسين لديها ، وفي أفضل الأحوال" رباعين " ساعين إلى " الدغميرة " وما أدراك ما " الدغميرة " وتحول آخرون إلى " نكافات " في المقاهي والأرصفة المعتمة وطغت مسلكيات الأغلفة المعلومة والدوائر المغلقة عن المجتمع بما يميزها من وصولية وانتهازية وبزنسة حتى إذا هل الربيع المسمى عربيا بكل أحلامه الوردية ، كان المثقفون الذين عرفناهم في الساحة أو أكثرهم قد استقالوا من الفعل ورد الفعل بعد أن ابتلعهم السياسي الرث بكل بلطجته وشمكرته ووصل الحال بالبعض إلى التفنن في القوادة الثقافية من أجل كتابة عامة لفرع اتحاد الكتاب أو برنامج تلفزيوني أو في سبيل موقع إداري رسمي أو من أجل تذكرة سفر إلى دولة أجنبية وحتى إلى مدينة مغربية باسم الشعر والسرد والزجل والتشكيل ....والمضحك في الأمر أن المسلكيات تلك تصبح هي الهدف النهائي لا الإبداع في حد ذاته مما يكشف عن مأساة حقيقية تعيشها الثقافة المغربية....طبعا هناك أصوات نقية لا زالت تندد وترفع عقيرتها ، لكنها للأسف الشديد لم تعد مسموعة ولا كثيرة ....وأتمنى ألا يفهم كلامي بأنه دعوة إلى اليأس أو دعاية للظلام بمختلف تجلياته ....كما أنني لا أدعو إلى تبئيس المثقفين اجتماعيا ، فالوضع المادي اللائق بهذا الإنسان قد يتيح له على الأقل نوعا من الاطمئنان ، ولكن في إطار مؤسساتي واضح وليس بالمسلكيات الريعية الجارية منذ عقود ....
لم تعمل الشبكة العنكبوتية سوى على تعميق المفارز والجراح رغم بعض الجوانب الإيجابية وبدل تعميق التواصل بشكل عقلاني هادف طغى الإسفاف والإستسهال في جميع المجالات واستبيحت اللغة في مختلف مستوياتها ...باختصار ، لا أحد بإمكانه أن يتنبأ حول أفق هذا المسار القاتم وسأكون كاذبا أو مجاملا إذا نسجت مثلما يفعل البعض صورة وردية للمستقبل ، لكن نأمل في الأقل ألا تكون خسائر التحولات فادحة باهضة على ثقافتنا ومغربنا العزيز ....
• كاتب روائي / باحث
0 التعليقات: