أحمد الشيخاوي/شاعر من المغرب

أحمد الشيخاوي/شاعر من المغرب

خاص بالمجلة

الراهن الثقافي المغربي

فضبابية المشهد الثقافي نابعة من كون البعض ممن أسميهم أعداء مصالح الوطن وإن كانوا من بني جلدتنا الذين تحكمهم الأنانية المريضة

بداية أتوجه بجزيل الشكر للأستاذ عبده حقي وكافة أعضاء هيئة تحرير مجلة اتحاد كتاب الأنترنت المغاربة وكل غيور على حقل الإبداع والمبدعين داخل وخارج حدود مغربنا العزيز ذي المنزلة المتميزة جدا والدرجة الرفيعة في مهج الكتاب من أبنائه على وجه أخص، أشكر الجميع على هذه المبادرة النبيلة الرامية إلى قلقلة المشهد الثقافي المغربي ،في محاولات جادة وهادفة إلى وضع الأصبع على مواطن الداء ومكمن الخلل بغية التشخيص الحقيقي الممكّن من تطويق الأزمة أو بالأحرى التخفيف من حدتها..

ربما تتعذر علي المشاركة الفعلية التي من شأنها إثراء النقاش والتنظير لملف من حجم الراهن الثقافي المغربي ، وذلك عائد بالأساس إلى همّ الكسب بدرجة أولى والذي يفرض علي شأن كثيرين نوعا معينا من العزلة كتحدي كبير أسهم العالم الإفتراضي في تبديد بعض غيماتها،ومنحني فرص احتكاك حقيقي وانفتاح على تجارب عربية وعالمية .. وهنا أنتهزها فرصة سانحة لأعبر بصدق عن أحاسيس المحبة والتقدير و الإحترام الذي أكنه لفرسان وجنود المنابر الإعلامية ممن يقدرون قيمة وجودة ما أوافيهم به من نصوص أعتز ّ بشهادتهم على مواصفات إجازتها ودرجها ضمن منشوراتهم..

وعودة إلى السياق ذاته أقول: إن الشأن الثقافي في بلادنا أعمق جراحا من أن نندد بأن نطلق صرخة عابرة هنا أو هناك ، أو نشجب ما يعترضه أو يعتريه من سرطانات ولو أنها غير قاتلة إلا  أنها معطلة لميلاد نهضة ثقافية تفرض احترامها عربيا وعالميا .. وبكل شفافية ووضوح أتوجه بخطابي المتواضع هذا ،إلى تلكم الفئة ممن يخالون أن في صالحهم احتكار الوضع الثقافي إما تقيدا بسياسات رسمية مقصودة ، أو ركضا خسيسا وراء منافع ومكاسب شخصية ضيقة ، كون هذا الصنيع القميء فوت ويفوت على البلاد خيرا كثيرا ،يعتبر المؤلف راسخ القناعات أول من يُحرم جني ثمراتها..

وإذن ،فضبابية المشهد الثقافي نابعة من كون البعض ممن أسميهم أعداء مصالح الوطن وإن كانوا من بني جلدتنا الذين تحكمهم الأنانية المريضة،دائما يسعون إلى تحطيم وإحباط جهود أهل الضمائر الحية والأصوات الحرة المنادية بضرورة سياسة ثقافية جذرية واضحة تخدم العملية الأبداعية وترتقي بالمشهد وتحتفي بالمبدع فوق ما يستحق، بعيدا عن المحسوبية والإنحيازات السافرة والإغترار برغوة براقة مغرية لا تلامس تفاصيل حياة وهموم المواطن المغربي المقهور وتتناول انشغالاته وتمس أحلامه وآماله..

وهنا أستحضر رمزيا أدبيا مغربيا ، وكلنا على اطلاع بمعاناته ، إنه المبدع الفطحل محمد زفزاف ، الثروة الفكرية والأسطورة المنقوشة في الأذهان والذاكرة بماء الذهب..

وإنما سقته أنموذجا لأدلل على أهمية التحفيز المادي، وكيف أنه لعب ويلعب على الدوام الجانب الدورا الكبيرا الذي لا يستهان به في تغذية أيما نية صادقة في أي إقلاع مفترض كيفما كان شكله.. هنا نتسائل ما نصيب الثقافة المغربية من خزائن الدولة؟

فالدعم المادي إذن ضروري وإقامة المسابقات ومنح الجوائز في حياد تام عن الإحتكام إلى غير النصوص القوية ومن ثم تكريم أصحابها والترويج لأعمالهم، وكذلك عدم وصد الأبواب دون الطاقات والأقلام الجريئة الواعدة ، كل هذا كفيل بضخ الدم الجديد في المشهد الثقافي المغربي ووضعه في المسار الصحيح وهو ذروة ما يتمناه كل مبدع غير متاجر في قناعاته، وكل باحث عن الأنصاف في عصر لا يرحم مجتمعا بلا ثقافة متمتعة بمناقب الندية والكفاءة والمجابهة والتحدي بل والتجاوز..

خلاصة القول، أننا جميعا نتحمل مسؤولية التعاطي مع هذا الملف الشائك والحساس على نحو كبير من المصداقية واستشعار ثقل الأمانة من أجل رسم الدروب السالكة للأجيال القادمة وإنقاد الثقافة عموما من راهن التمزق والشتات الذي تعيشه،باستثناء بعض الأسماء هنا وهناك التي تمثل وجها مشرقا لهذه الثقافة الآخذة بفعل الغيارى علي مستقبلها  طبعا ،نحو الإنفراج التدريجي و استرداد الأمجاد الضائعة .. وعليه فمن الحتمي امتلاك القدرة على فض الطابوهات المعتمة على المسالة والتخطيط المحكم اعتمادا على ذوي الخبرات الوطنية المشهود لها بوضع المصالح الوطنية فوق كل اعتبار وكذلك نهج سياسة لا مركزبة تلغي الإقصاء المضروب على مناطق العمق وتهميش الأرياف والربوع النائية، فضلا عن رصد ميزانيات مالية باذخة تتماشي وتحقيق الطموحات المتعلقة بهذا الرهان..