عبدالإله بنهدار سيناريست وكاتب مسرحي
خاص بالمجلة
المشهد الثقافي المغربي اليوم يمكن تشبيهه بخشبة عائمة على الماء .. لا هي
قادرة على أخذ توازنها ولا هي قادرة على تحديد وجهتها
ــــ ما هو موقفك مما يكتنف المشهد الثقافي المغربي من ضبابية
وغياب الرؤية الواضحة ؟
للإجابة عن هذا السؤال يجب في البداية توضيح بعض الأمور
أولا : الإعلان عن موقف ما غالبا ما يفهم فهما مغلوطا ويظهر صاحبه في الغالب ظهور
من يتقمص دور " خالف تعرف " دون أن تكون له دراية تامة أو
موقف محدد من الموضوع الذي اتخذ منه ذاك الموقف فلنتحدث إذن عن
" رأي " أو " وجهة نظر" أكثر من حديثنا عن موقف .
ثانيا : اتخاذ موقف قد يجني على صاحبه بسرعة فائقة من طرف المتلقي .. ذلك أن
القارىء يسهل عليه بسرعة أن يضع صاحب الموقف في خانة الذين هم
" مع" أو الذين هم " ضد " ..
ثالثا : اتخاذ موقف ما تغلب عليه الذاتية أكثر مما تغلب عليه الموضوعية المفترضة
أو التحليل العميق لكل ما هو ثقافي من حولنا .
لكل هذه الأشياء يمكننا القول أننا بصدد " رأي " في المشهد
الثقافي المغربي أكثر مما هو " موقف " من المشهد الثقافي المغربي
..
نعم ! المشهد الثقافي المغربي اليوم يمكن تشبيهه بخشبة عائمة على الماء ..
لا هي قادرة على أخذ توازنها ولا هي قادرة على تحديد وجهتها .. فبالأحرى أن تكون
قادرة على العوم أو الغوص ..
كذلك هي الثقافة في بلدنا اليوم .. إنها تبدو غير متزنة ومن الطبيعي
ولأنها كذالك فهي غير وازنة .
فالضبابية وغياب الرؤية في هذه الحالة ليست قدرا أو أمرا حتميا .. بل هي
ضبابية يساهم فيها الجميع ويتحمل المسؤولية فيها الجميع .. نتساءل أين الدور
الفعال لاتحاد كتاب المغرب ؟ أين هي الملاحق الثقافية الأسبوعية التي
كان يتسابق لاقتنائها المثقفون .. ؟ والأمثلة عديدة على اليتم الثقافي والفكري
والفني الذي نعيشه اليوم رغم التطبيل والتهريج المؤدى عنه مسبقا .
ــــ أين يكمن الخلل في نظرك في السياسة الثقافية أم في إهتزاز قيم بعض
المثقفين واستشراء الفساد الثقافي أم فيهما معا ؟
الخلل يكمن أساسا في النخبة المثقفة إن صح وجاز لنا أن نتحدث عن هذه
النخبة في بلدنا أو بلدان العالم الثالث بصفة عامة .. لأن التاريخ يشهد على أن
النخبة هي التي غيرت مجرى التاريخ ليس السياسي فحسب بل الكوني بصفة عامة .. العالم
والفيلسوف والمبدع والموسيقي والفنان و... و... هؤلاء هم النخبة .. هم أصحاب
الكلمة العليا ، ألم يحرق أكثرهم لأنه قال رأيا يخالف فيه رأي
الحاكمين المستبدين .. ألم يقتل أغلبهم لأنهم قالوا لا في وجه القهر والظلم
والاستبداد ..؟ ألم يُنْفَ بعضهم لأنه جاهر بقوله في وجه جلاديه ومغتصبيه في
حين كانت العامة تتفرج وهي غير قادرة على أن تنبس ببنت شفة .. إذن هذه
النخبة المثقفة هي التي لعبت دورا في تحريك البرك الآسنة .. وكانت في ذلك
تهدف إلى الصالح العام وإلى تغيير الإنسان في كل مكان .. لكن حينما تكالبت هذه
النخبة اليوم على الفتات وتتسابق لتكون لها مكانة عند وبين أولي الأمر.. كان
من الطبيعي أن تؤول الأمور إلى ما آلت إليه ..
لنوضح أكثر .. في السبعينات على الأقل جيْلنا كان يستفيد من الدروس
الخصوصية مجانا في مقرات الأحزاب التي سمت نفسها تقدمية وحداثية و...و...تعطى
الدروس لجميع المستويات من الابتدائي إلى الثانوي مجانا أتذكر أنه في
كل الأحياء التي كانت بها هذه الأحزاب تُكتب سبورة وتوضعُ أمام باب مقر
الحزب ليلتحق بها التلاميذ الذين هم في حاجة إلى مثل هذه الدروس .. وكم استفدنا
يومئذ وتعلمنا على يد أساتذة منتمين إلى هذه الأحزاب اليسارية والتقدمية
أساسا ويعتبر عملهم هذا نضالا.. لم تكن بيدها سلطة بل كانت في صراع دائم مع
السلطة المخزنية التي تشجع على جهل أبناء العامة كي يكونوا خدما وعبيدا عند أبناء
الخاصة .. هل هناك حزب من هذه الأحزاب اليوم يقوم بمثل هذا العمل الجبار ..؟
الفساد الثقافي نابع من فساد النخبة السياسية التي هجرها المثقفون
النبلاء عن طيب خاطر وأصبحت النخبة شبه مثقفة هي حاشية النخبة السياسية تستظل
بظلها وتعيش على فتاتها ..
ــــ ماهي في نظرك الحلول القمينة بإعادة الإعتبارلدورالثقافة والمثقف في
المشاركة في بناء الثروة اللامادية للمغرب اليوم وغذا ؟
أي مثقف نزيه يتابع الأمور اليوم عن كثب لا يمكنه إلا أن يجد نفسه
واقعا في " حيص بيص " إن هو تسرع في التكهن بإيجاد الحل المناسب
.. لأن الحلول في مثل هذه المسائل ــ خصوصا التي لها صلة بالفكر ــ ليست وصفة
جاهزة .. بل هي عمل ومثابرة وتخطيط بعيد المدى ولا ننتظر أن تعود بالنفع في سنة أو
سنتين ..
لنأخذ على سبيل المثال النخبة التي هي اليوم في مراتب القرار ألم يكن
أبناؤها من الذين تعلموا على يد أولئك الذين تحدثت عنهم فيما قبل ..؟ هاهم اليوم
في مراكز القرار هل يلعبون نفس الدور الذي لعبه أساتذتهم أولائك الذين سهروا على
تكوينهم..؟ هل عندهم نفس الشجاعة ونفس الرؤية التي كانت عند أساتذتهم من السياسيين
والزعماء الكبار ..؟ ها نحن نرى اليوم طلبة الأمس عيانا ونسمعهم جهارا
وهم يستعملون أسماء أساتذتهم الذين واراهم الثرى فقط من أجل التسول بهم وهذه
إهانة للثقافة وللبلد بله الذين ضحوا من أجل أن يسمو الفكر ورتقي الإنسان المغربي
في هذا البلد.. يحز في النفس فعلا أن تسمع أسماء عمر بنجلون والمهدي بنبركة
والمعطي بوعبيد وعلي يعتة والسيد بلال ... و.... .... تلوكها الألسنة لتتسول بها
بدلا من أن تقتدي بها ..
الرهان اليوم على ثقافة جديدة .. ربما قد تسام فيها قنوات أخرى غير قنوات
المخزن .. فالمتنفس الوحيد اليوم هو وسائل الاتصال الحديثة المتعددة والمتنوعة
التي تراقبها عيون المخزن أكيد لكنها لا تتحكم فيها ..
نعم ! نحن متفائلون في المستقبل .. لكن ليس بالسرعة التي يمكن أن
نتصورها أو نحلم بها .. لسبب بسيط هو أن الهدم زمنه سريع لكن البناء زمنه بطيء
.. الأمل في الغد قائم لكنه بعيد بعيد .. ربما !
0 التعليقات: