الناقد والقاص حميد ركاطة
- ماهو موقفكم مما يكتنف المشهد الثقافي المغربي من ضبابية وغياب الرؤية الواضحة؟
المثقف الحقيقي تم إقصاء إبداعه ، وضيقت عليه كل المنافذ ، ونبذ للنسيان بسبب مواقفه وانفته ، ضد المحسوبية ، وضد فكر القبيلة ، والزبونية
بداية اشكر موقع كتاب اتحاد الانترنيت المغاربة ، على الدعوة ، وتشريفه لي للمشاركة في هذا النقاش الجاد .
جوابا على سؤالكم ، اعتقد ان اللحظة عصيبة ، في ظل مرحلة حاسمة ، ووضع ثقافي غير مستقر .فالمشهد الثقافي طغت علية نزعة فردية وتحكمت فيه الذاتية ، والانانية في المنظور إلى الوضع الثقافي ، وهنا أشير إلى بالخصوص إلى المحاولات العديدة لبعض المثقفين ، الذين أصبحوا ينظرون للوضع من ابراجهم العاجية ، الثقافة مشروع مؤسسي ، ومجتمعي ، تتظافر فيه جهود الكل من أجل الرقي بالوضع الثقافي ، لكن هذا الأمر أصبح اليوم شبه مستحيل بسبب أنانية البعض ، واستئتارهم ، بتدبير الشأن الثقافي بعيدا عن المؤسسات المحتضنة ، أو الجهات الداعمة ، اوالجمعيات الفاعلة ، وهو ما شكل منعطفا مليئا بالمنزلقات ، والمغالطات ، وتسبب من ناحية أخرى في ضبابية الرؤية لغياب مشروع واضح المعالم طويل الأمد في ظل استفحال "ظاهرة الأمية الثقافية " .
المثقف اليوم لا يفكر سوى بمنطق فردي ، ويعمل بقوة على إقصاء الجماعة في تدبيره للمشروع الثقافي ، وهذه الظاهرة ربما ناتجة عن غرور المثقف الذي لم يعد يضع نصب عينيه هدفا واضحا يتجلى في الارتقاء بالثقافة بخطى حثيثة فهو بقدر ما يحيط نفسه بدائرة من التكتم، والغموض ، والصمت . يثور ساخطا على الوضع القائم الذي لا يكون سوى نتيجة لا اصطدام مصالحه الخاصة ، بمصالح الجماعة .
- أين يكمن الخلل في نظرك ، في السياسة الثقافية أم في اهتزاز قيم بعض المثقفين ، واستشراء الفساد الثقافي أم فيهما معا؟
ربما البحث عن مكامن الخلل، يبرز في ما تراكم عبر عقود في تدبير الشأن الثقافي من طرف الدولة كوصية لعقود طويلة ولا تزال ، كرست خلالها عداء للمثقف ، وحاربته ، وزرعت اذيالها بالقوة داخل المشهد من جهة ، ولغياب الحرية من جهة ثانية ، فالمثقف الذي كان منبوذا في السابق وقصي بسبب أفكاره المعارضة للسياسة العامة للبلاد ، كان يعبر بصراحة ، او بالرمز عن مواقفه ويتحمل عواقب تصرفه ، وآرائه وهو واعي كل الوعي بما يفعل وهو يصطدم بالمؤسسة . وبالمقابل عملت الدولة على خلق مثقفين "فقاعات" عبر الدفع بهم للمواجهة حفاظا على تواجدها ،وترسيخا لافكارها ، امدتهم بكل الوسائل الكفيلة بالتطبيل لمشروعها المزعوم .من هنا يمكننا مقاربة سؤالكم حول مكامن الخلل ، في الوضع الثقافي المغربي واستشراء الفساد فيه ، فمن تربى في حضن القمع لن ينتج سوى سلوكا متطرفة. لكنه في ظل وضع منفتح نسبيا ، سيتمرد ، وسيرفض مواقف الآخر لانه تربى على تلقي الأوامر من فوق ، ينفدها فقط ، مواقف لم تكن قط نابعة من قناعاته الذاتية المحضة والحرية في اتخاذ القرار هنا أتساءل بدوري ماذا ننتظر من ثقافة القمع أن تنتج لنا ؟ وماذا خلفت للأجيال القادمة ؟
فالمجهودات التي تقوم بها اليوم الجمعيات ذات النفع العام ، أو حتى المؤسسة الرسمية تواجه بسلوك قديم ، من طرف نفس الجيل التي تربى على ثقافة المنفعة الذاتية ، وتضخم الأنا . المثقف الحقيقي تم إقصاء إبداعه ، وضيقت عليه كل المنافذ ، ونبذ للنسيان بسبب مواقفه وانفته ، ضد المحسوبية ، وضد فكر القبيلة ، والزبونية . والنماذج كثيرة بالمقارنة مع من استفادوا من الوضع ، وهم اليوم يجدون أنفسهم في وضع مفارق ، يرفضون كل ما من شأنه أن يكرس لرؤية جديد للثقافة سواء في التدبير ، او محاولة اقرار لمساواة كيفما كانت بين بين الكتاب ، فما بالك بالافراد . فمن تعود على سلك السبل السهلة ، والقصيرة للوصوا نحو الهداف الخاص ، -وهذا في نظري العار الموشوم على جبين الثقافة المغربية ، والعائق الذي يجب تجاوزه لرد الاعتبار للثقافة المواطنة بصفة عامة وللمثقف المواطن بمختلف مشاربه وإعادة الاعتبار للمثقف بما يليق بشخصه وكأنه وذاته كإنسان قبل كل شيء .- لن يقبل بالاختلاف، في الرؤية ، والتدبير ، والمنظور ، وفلسفة المشروع الثقافي الذي يؤسس له في مستنقع اسن مليء بالاحقاد ، والتحالفات، في الكواليس.
- ما هي في نظرك الحلول القيمة بإعادة الاعتبار لدور الثقافة والمثقف في المشاركة في بناء الثروة اللامادية للمغرب اليوم وغدا ؟
أعتقد أن إعادة الاعتبار للمثقف هو الالتفات له ، وتقديره ، والاعتراف بما ينتجه من رأسمال لا مادي ، المثقف اليوم لا يملك سوى كرامته حيال حصار اضحى فجا ،ووهميا ، فالاعتبار لا تقدمه المؤسسة ، بل يخلق المثقف بفرض نفسه بقوة في المشهد ، وإن كنا اليوم نعيش حرب بسوس أخرى من قبل بعض المحسوبين على الثقافة ، من أشباه المثقفين ، فنظرية المؤامرة يعاد حياكة فصولها الوهنية من جديد ، وهي المعمول بها اليوم عبر ممارسة الإقصاء المقصود، للز ميل من طرف زميله، وأقرب المقربين إليه . إننا نعيش اليوم في ظل مقت ، وحقد ثقافي لم تمارسه الدولة من قبل على الافراد، والجماعات ، وهناك من لا يزال يحمل " وللاسف" من سمة المثقف سوى الاسم . أمثال هؤلاء هم من يساهمون في تأزيم الوضع الثقافي بالبلاد ، يركبون على جهود الآخرين ، ويمارسون سلوكا أضحت المؤسسة الرسمية نفسها تخجل منه . لقد استبدت الأنانية بافراد من الجيل الجديد من المثقفين ، إلى حدود اللا رجعة ، وهم يعصفون بالتراث اللامادي بلا هوادة ، وبقيم ومكتسبات دفع غيرهم من أجلها حياته ثمنا غاليا من أجلها ، ومنهم من ، مات كمدا ، وحزنا وهو يحلم بتحققها ذات يوم على أرض الواقع .
واليوم في ظل وضع يتسم بنوع من الحرية المحسود عليها ، وأقصد حرية التعبير ، والنشر ، والقيام بأنشطة ثقافية ، نلاحظ غيابا فعليا للمثقف ، عن مختلف الأنشطة ، وتكون في الغالب مبرراته واهية جدا لتبرير عدم انخراط الفعال وحضوره الضروري ، يكثر من التعليلات، والانتقادات في المقاهي . وفيالشارع . المثقف اليوم اليوم لا ينتج سوى خطابات عقيمة ، يغيب عنها الانخراط اللا مشروط ، والمساهمة التلقائية ، والتضحية الخالصة لوجه الثقافة ، وللمشروع الجاد للجمعيات الجادة ، فهو كذئب الراحل محمد زفزاف
لا يشجع حضوره إلا من أجل اقتسام الكعكة ، أو الحصول على تعويض أو مقابل مادي ، أو عيني ك الحصول على توصية بنشر بعض أعماله الرديئة ، أو الحصول على امتياز ما هو أدرى به ، الرشوة لم تعد تقدم نقدا بل من أشياء أخرى تتجاوز الاستغلال المادي إلى ما هو أفظع ، على حساب القيم ، والأخلاق ، والثقافة نفسها . وبذلك يكون أشباه المثقفين ، هم أول من يعمل على هد صرح الثقافة المغربية ، وعلى عرقلة مسارها الواعد ، والجاد .
0 التعليقات: