الخميس، 5 مارس 2015

الناقد عبدالله شريق

نشرت من طرف : ABDOUHAKKI  |  في  10:05 ص

الناقد عبدالله شريق
ورغم أن كثيرا من مثقفينا وكتابنا يدافعون عن قيم الحداثة فإن كثيرا منهم يقوم بسلوكات و تصرفات لا حداثية
خاص بالمجلة
إن طرح  موضوع الثقافة والمثقفين بالمغرب للتداول والنقاش من الضرورات الملحة في المرحلة الراهنة ، نظرا لحالة التشتت والضبابية التي يتسم بها الوضع الثقافي الراهن في المغرب وحالة التشنج  والفوضى وتبادل الإتهامات السائدة في العلاقة بين كثير من الكتاب و المثقفين المغاربة فضلا عن السلبية و الإنتهازية التي تتصف بها سلوكات بعضهم وانسحاب كثير منهم من ساحة النضال الثقافي ومواجهة تحديات التيارات المعاكسة لحركة التقدم والتحول، ما يجعل الثقافة المغربية  تعاني مرحليا  من خلل ما ، برغم ما تعرفه من تنوع و غنى في الكتابة و الإنتاج والنشر. والكثير من المؤسسات الجامعية والمعاهد و الجمعيات  الثقافية الوطنية والجهوية  أصبح أداؤها ضعيفا أو باهتا ، فضلا عن عدم تحمل وزارة الثقافة لمسؤوليتها في بلورة استراتيجية وطنية شاملة حول الثقافة و العمل الثقافي من خلال تنظيم حواروطني شامل حول الثقافة المغربية تشارك في جميع الأطراف المعنية على غرار المناظرة الوطنية التي نظمها اتحاد كتاب المغرب مؤخرا بطنجة .  
فنحن كثيرا ما نتحدث ونكتب عن الحداثة في مجال  الثقافة و الأدب لكننا لا نطبق قيم الحداثة في علاقاتنا و سلوكاتنا وتدبيرنا لمؤسساتنا وجمعياتنا الثقافية. ورغم أن كثيرا من مثقفينا وكتابنا يدافعون عن قيم الحداثة فإن كثيرا منهم يقوم بسلوكات و تصرفات لا حداثية ، وبعضهم مازال يحمل بعض رواسب الفكر التقليدي والقبلي المتخلف . والناس و المهتمون  العاديون كثيرا ما ينتقدون الكتاب و المثقفين  بسبب ذلك وخاصة حين يقرأون في الصحف عن الصراعات الذاتية بين بعض الكتاب ، وعن بعض مظاهر التعصب والأنانية والزبونية و السلوك اللامدني وعن التدبيراللاديموقراطي واللاحداثي لبعض المؤسسات الثقافية و لبعض لجن الجوائزالثقافية الوطنية. إن الحداثة لا تعني فقط الدعوة نظريا إلى الديموقراطية والحرية و المساواة و العقلانية والعلم وحقوق الإنسان ، وإنما تعني أيضا الصدق و الأمانة و التسامح والنزاهة وتقبل النقد و ممارسة النقد الذاتي والإلتزام بالقيم الأخلاقية الحداثية والإنسانية ، مع  ضرورة الإيمان بالحق في الإختلاف وبالتعدد  والحوار الموضوعي المثمروالرصين، وليس الكذب  والحقد والأنانية والإستبداد بالرأي والتهجم على الآخرين . إنها فعلا من مظاهر اهتزاز القيم ، تساهم فيها للأسف فئة ممن ينبغي أن يكونوا من حراس القيم .
إضافة إلى ظاهرة انسحاب الكثيرمن المثقفين والأدباء من الواقع الإجتماعي و السياسي وانعزالهم و تقوقعهم في هذه المرحلة التي تتطلب حضورهم ومشاركتهم في ما يقع من أحداث و كوارث أحيانا ، ليس في المغرب فحسب بل في العالم العربي ككل . إن الوضع العربي الراهن يتطلب القيام بعملية إعادة نظر في وظيفة المثقف و الخطاب الثقافي  ، ضمن حركة الدعوة إلى عودة المثقفين و الأدباء إلى الواقع و الميدان وتحمل مسؤولياتهم في مواجهة تيارات النكوص والتخلف و الغلو والعنف التي تروج لقيم وسلوكات مضادة لقيم التسامح و الديموقراطية و العقلانية ، مع ضرورة الكشف عن مخاطر هذه السلوكات والمواقف ونقدها أمام حالة التردي و التشتت والضياع والتقاتل واختلاط واضطراب القيم في العالم العربي، حتى لا تبقى الساحة فارغة لهذه الدعوات  النكوصية التي أصبحت تؤثر في قطاعات عريضة من مجتمعاتنا... قطاعات لا تملك الوعي النقدي ولا تدرك خطورة  هذا التوجه ومنافاته  لحقيقة المواقف المتنورة في تراثنا الثقافي و الديني و الحضاري ...نحن في أشد الحاجة اليوم إلى مناضلين ثقافيين ومثقفين عضويين يتصفون بالنزاهة والإلتزام والإنخراط الفعال في قضايا الواقع و مشاكل المجتمع .
وقد بلورت الثقافة المغربية الحديثة، في المراحل السابقة ، خلال  مشاركتها و انخراطها في صراعات و تحولات الواقع الإجتماعي و السياسي ، مواقف حداثية هامة مضادة لما هو سائد في الواقع في كثيرمن المجالات ، حسب ما تطلبته المراحل التاريخية التي مر بها المغرب في العصر الحديث  ، بدءا من الدعوة إلى الوحدة الوطنية و مقاومة الإستعمارو التحررمن الفكر الخرافي ونشر التعليم و تعليم المرأة ، مرورا بالدعوة إلى التغيير الإشتراكي و الديموقراطي ومواجهة قيم االقهر و الظلم و الإستغلال الرأسمالي ، وصولا إلى الدعوة للحداثة والديموقراطية و حقوق الإنسان وحرية المرأة وقيم التسامح و الإنفتاح الفكري و الحضاري .  الأمة العربية اليوم تعاني أزمة قيم وأزمة فكر ابتعد عن قيم العقلانية واالديموقراطية. وهي في أشد الحاجة، كما يقول سعيد بن سعيد العلوي، إلى  " ثورة لا في واقع الوجود المادي الملموس، بل ثورة في العقل العربي ذاته، في البنيات الذهنية التي يفكر بها العرب و يتعاملون بواستطها مع واقعهم الحالي (...) . لا يمكن للعرب أن يقتحموا ، بصورة فعلية ، عالم المعاصرة وأن يحققوا الإنطلاقة المنشودة بدون العمل على تحقيق الحداثة في بنية العقل العربي أولا وأساسا " (1) ، بموازاة مع عملية تحديث العلاقات الإجتماعية و السياسية وبناء المجتمع المدني . إن تحديث العقول و الذهنيات عملية أولى و ضرورية لتحديث العلاقات الإجتماعية و السياسية و الثقافية، ولبناء العمل الثقافي على أساس قيم العقلانية والديموقراطية والحوار والتعددية .
هــامــش

1ـ سعيد بنسعيد العلوي : الإيديولوجيا و الحداثة/ قراءات في الفكر العربي المعاصرـ المركز الثقافي العربي ـ  ط1/ 1978 ـ ص :61ـ62

التسميات :

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

0 التعليقات:


اخبار الأدب والثقافة

الآراء الواردة في المقالات والبلاغات تعبرعن أصحابها وليس إدارة التحريرــ الآراء الواردة في المقالات والبلاغات تعبرعن أصحابها وليس إدارة التحرير back to top