الخميس، 5 مارس 2015

الدكتورالمهدي لعرج قاص وناقد

نشرت من طرف : ABDOUHAKKI  |  في  9:07 ص

الدكتورالمهدي لعرج قاص وناقد
السياسة الثقافية بشكل عام تقوم على الكثير من المحاباة والنفاق
خاص بالمجلة
س ــ ماهو موقفك مما يكتنف المشهد الثقافي المغربي من ضبابية وغياب الرؤية الواضحة ؟
ج- صحيح أن المشهد ملتبس، ثمة الكثير من الأشياء التي تؤثر سلباً في هذا المشهد، أشياء تطبخ في الكواليس المعتمة، ولذلك هنالك ضبابية. الصراحة والوضوح تفضح الفاسدين الذين يفعلون كل شيء من أجل الحفاظ على بعض الامتيازات التي يستفيدون منها بين الفينة والأخرى. وموقفي طبعاً هو موقف الرفض.
س ــــ أين يكمن الخلل في نظرك في السياسة الثقافية أم في اهتزاز قيم بعض المثقفين واستشراء الفساد الثقافي أم فيهما معا؟
س- الفساد منظومة متكاملة وبنية متواشجة، تشتغل مثلما تشتغل كل منظومة وديناميتها مثل دينامية أية بنية. والخلل في الأمرين معاً كما أشرت. السياسة الثقافية بشكل عام تقوم على الكثير من المحاباة والنفاق. هناك وضع موروث من الصعب على أي وزير للثقافة أن يدبره من غير أن يجر على نفسه الكثير من المكائد والويلات. الوصول إلى منصب الوزارة في البلدان المتخلفة حلم وفرصة لا تعوض. والوزير في كثير من الأحيان يدبر أمر البقاء في الكرسي وتجنب كوارث "النقد" أكثر مما يشغل نفسه بتدبير الشأن الثقافي حتى ولو اصطدم هذا التدبير بالفاسدين. يجب تحمل المسؤولية كاملة والتبعات. أنت تعرف المأزق الذي وجدت ثريا جبران نفسها فيه، لقد حاولوا أن يحولوا بينها وبين أن تمتلك رؤية واضحة لتدبير الوزارة. وتعرف أيضاً كيف تصرف البعض مع بنسالم حميش. وعلى الرغم من أن حميش يعرفهم ويحذق أحابيلهم فإنه في النهاية عانى الأمرين من جراء حروبهم. بل بسبب أنه يعرفهم ومخافة أن يقطع عليهم طريق الامتيازات والريع تصدوا له بكل ما أوتوا من قوة. تخيل: لأول مرة تنظم وقفات احتجاجية ضد وزير للثقافة: ليس لأنه أغلق داراً للثقافة، ليس لأنه باع متحفاً، ليس لأنه تغاضى عن تخريب آثار، وليس لأنه أرسل أصدقاءه وأبناء"القبيلة" في رحلات الشتاء والصيف. ولكن، فقط لأنهم شموا من بعض تدابيره أنه بات قريباً من ينابيع الريع، وخافوا أن يجففها(وأنا لا أدافع إطلاقاً عن حميش ولا عن اختياراته، ولا معرفة شخصية بيننا). بعد ذلك، لم يعد ممكناً أن يسقط وزير الثقافة في هذا "المحظور". ثمة رأي في كواليس الوزارة يهندس اتخاذ قرارات يظن أنها تجنب لسعات الزنابير. وذلك مجرد وهم. طبعاً ثمة أيضاً الشق الآخر من المسألة: بعض المثقفين مع الأسف لا يؤمن بأية قيمة. سوى قيمة جعل الإخوانيات فوق كل اعتبار، وقيمة الربح السريع بأي ثمن. أحدهم(وعلى الرغم من أنه أصبح مسؤولاً كبيراً) أسر لي يوماً أنه نادم عن سنوات النضال التي ضيعها من عمره. لماذا، سألته؟ قال: لأن بعضهم(كان هو تغرب شرقاً وغرباً قبل أن يعود من المنفى) اغتنموا الفرصة بشكل جيد، وكونوا أسراً سعيدة ومستقبلاً مستقراً. لذلك، بعض المثقفين مع الأسف لا يؤمنون بالرصيد الثقافي الذي يمكن أن يكونوه بعرق جبينهم ويعتزوا به، أو تذكره الأجيال لهم. ولكنهم إنما يميلون حيث مالت ريح السلطة والنفوذ والجاه.
ــــ ماهي في نظرك الحلول القمينة بإعادة الاعتبار لدور الثقافة والمثقف في المشاركة في بناء الثروة اللامادية للمغرب اليوم وغداً ؟
ج- المسألة برمتها تدور حول ضرورة انخراط أية وزارة للثقافة في محاربة الفساد والريع الثقافي. في الدول التي لها ممارسة ديموقراطية تحظى بالمصداقية لا توجد وزارة للثقافة أصلاً، وإنما توجد مديرية للثقافة ضمن وزارة التربية والتعليم. وقد كان هذا هو وضع المغرب بعد الاستقلال بسنوات. أنا أدافع بقوة أن تكون الثقافة جزءاً من وزارة التربية والتعليم، حتى يكون بالإمكان التنسيق المباشر والحثيث من أجل تنشئة أجيال المتعلمين على القيم الثقافية التي تشكل المشروع المجتمعي بشكل عام. فصل الثقافة عن التربية خطأ فادح. وهو غالباً لا تمليه أية ضرورة ملحة، سوى الحسابات الضيقة التي تفرض نفسها على الفرقاء الذين يعهد إليهم بتشكيل الحكومات. إنها مهزلة في نهاية الأمر. تخيل: برامج التربية في بلادنا تنبني على أساس تمكن التلاميذ من جملة من الكفايات، من ضمنها الكفاية الثقافية، وفي مقررات بعض الشعب مادة الثقافة، هذا عدا كون معظم المضامين تدخل ضمن تنمية ثقافة التلميذ في الفنون والآداب والعلوم والمعارف العامة، وهي نفسها الأوراش التي يفترض أن تشتغل عليها وزارة الثقافة. يوم تقتنع أية حكومة بهذه الرؤية ستكون قد انخرطت بالفعل في محاربة الفساد بشكل مندمج (على الأقل في هذا القطاع)، وتكون تبعاً لذلك تجنبت هدر الكثير من إمكانيات الدولة والشعب. هذا من حيث بنية التدبير العامة. أما روح هذا التدبير فينبغي أن يعتمد سياسة التواصل الحقيقي والتشارك المنزه عن النفاق والكولسة. وزارة الثقافة في بلادنا، في الوقت الراهن تقرب مثقفين تشركهم وتتشاور معهم في السر والعلن، عن طريق لجان تشكل وفق معايير لا تحظى بأية مصداقية، وعن طريق دواوين الكل يعرف كيف تشكل. وعن طريق موظفين ليس لهم الحق أن يقربوا أصدقاءهم ويبعدوا معارضيهم، كما أنه ليس لهم الحق أن يكونوا جاهلين تماماً بمستجدات المشهد الثقافي. المشهد الثقافي في تغير مستمر، تظهر أسماء وتختفي أخرى، تظهر حساسيات وتندحر أخرى، وتكبر جمعيات وتصغر جمعيات أخرى. أحياناً نلاحظ أن وزارة الثقافة لا تتحرك ولا تتغير. في معرض الكتاب مثلاً، إذا أخذناه مؤشراً على وعي الوزارة بالمشهد الثقافي، وعلى طبيعة تدبيرها لهذا المشهد نجد العجب العجاب. دائماً هناك الأسماء نفسها، وتتبادل بعض المواقع أحياناً. نفس الأسماء تقريباً هي التي تسير الندوات، وتنشط الأمسيات، وتقدم الإصدارات. بعضهم يحجز مكاناً له ولزوجته وعلى الباقي السلام. ماذا لو كان المعرض مثلاً سفينة نجاة ! ولا أنكر أن بعض هؤلاء ينبغي أن يحظى بالاحترام، لكنهم يسيئون إلى أنفسهم وتاريخهم وإلى زملاء آخرين لهم يتم تغييبهم في كل مرة، بدون أي عذر. مناسبة المعرض وغيره من المناسبات الثقافية الوطنية والجهوية والدولية ملك لجميع المثقفين المغاربة. هذه هي الحقيقة التي يجب أن تكون الوزارة واعية بها، والتي يجب أن يدافع عنها المثقفون الحقيقيون. الثقافة المغربية ليست غنيمة. وعلى ذكر الإصدارات: البعض ما أن يصدر له شيء حتى يجد له موطئ قدم في برنامج الوزارة في المعرض، وفي الخارج، بينما البعض الآخر حتى ولو أصدر عشر أو عشرين إصداراً لا تلتفت إليه الوزارة. في أحد الايام اتصلت بمدير مديرية الكتاب ونبهته إلى هذا الأمر. قال إن ثمة لجنة هي المسؤولة. أدعو المثقفين الشرفاء إلى قراءة برنامج المعرض، على الأقل في دوراته العشر الأخيرة. أدعو السيد الوزير نفسه إلى الانكباب على الأمر. بهذه الطريقة المشوهة لا يتم تقديم حقيقة المشهد الثقافي في بلادنا. جائزة المغرب للكتاب يكتنفها أيضاً الكثير من الغموض، وقد بات واضحاً أنها في كثير من المرات تمنح للكاتب وليس للكتاب المرشح للفوز، وهذا خطأ وحيف. بعض المثقفين المغاربة بحكم ظروف خاصة وعامة أوجدوا نوعاً من الحواريين الذين يتعصبون لهم ضداً على قيم التجديد والتطور، وضداً على الثقافة والإبداع. هذه هي الحقيقة. معظم المثقفين يعرف ذلك. لكن بعضهم لا يملك الجرأة لعبر عن ذلك. وبعضهم ينتظر نوبته في دورة الريع، ولا يريد أن يفسد المشهد بموقف قد يعتبر مجرد نباح وترد عليه أيضاً كلاب القبيلة.
يفترض أن يكون المثقف ضمير أمته، بل ضمير الإنسانية جمعاء، يفترض أن يكون سفيراً للحرية والحق، وأن يكون أول من يضحي من أجل إشاعة قيم الخير والحب والجمال. ولكن الكثير من الذين ينتسبون إلى الثقافة أدعياء، مع الأسف. إنهم في واقع الأمر ليسوا بمثقفين، بالمعنى الحقيقي لهذه الكلمة. بعضهم يفسد رمزيته التي عند المعارف والقراء. قد تكون لهم مساهمات في أشكال تعبيرية خاصة، أو أصدروا كتباً، ولكن هذا لا يكفي. مفهوم الكاتب أيضاً مرة أخرى يحتاج إلى تدقيق. ولهذا أيضاً، مع الأسف غاب صوت المثقف أو كاد. أصبح المثقف غير مؤثر في المجتمع. أصبحت نصوص المثقفين تمر و لا يحس بها أحد. ما هي هذه الرواية مثلاً التي فازت بجائزة المغرب وأصبحت حديث الناس في المقاهي والمدارس والبيوت؟ وكم كان ملفتاً هذه السنة حجب جائزة الشعر.  



التسميات :

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

0 التعليقات:


اخبار الأدب والثقافة

الآراء الواردة في المقالات والبلاغات تعبرعن أصحابها وليس إدارة التحريرــ الآراء الواردة في المقالات والبلاغات تعبرعن أصحابها وليس إدارة التحرير back to top