الأحد، 28 سبتمبر 2014

لإعادة اللحمة للنخب السياسية والمثقفة في المجتمعات العربية :نبيل عودة

نشرت من طرف : ABDOUHAKKI  |  في  10:20 م

لإعادة اللحمة للنخب السياسية والمثقفة في المجتمعات العربية :نبيل عودة
خاص بالمجلة
نعيش حالة قلق حول مستقبل عالمنا ألعربي يمكن ان طلق عليه "حالة طارئة"، لكنها لم تكن وليدة الصدفة بالنسبة للمفكرين ألعرب كتابات كثيرة عالجت هذا الواقع ومنها على سبيل المثال وليس التحديد كتاب هام للدكتور فوزي منصور يحمل اسما رمزيا "خروج العرب من التأريخ صدر عام 1993،يحلل فيه الواقع العربي من جميع زواياه ،معالم بحثه واتجاهاته واضحة حتى قبل اصداره للكتاب وعرفها بأنها "محاولة غير مقصودة لتقصي المراحل المتتابعة لخروج الأمة العربية من التأريخ مؤكدا على دور العامل القومي وطبيعة الدولة في أقطار الوطن ألعربي . كان ذلك قبل ما بات يعرف ب "الربيع ألعربي"  بعقدين من الزمن. . ويبدو ان الربيع العربي وما اعقبه من تطورات سلبية بمعظمها، اضاف لمصداقية الرؤية التي طرحها الكتاب.
من هذا المنظار أطرح على نفسي اسئلة صعبة: ما هو مستقبل تطور العالم العربي ألاقتصادي مستقبل رقيه العلمي والتعليم مستقبل مجتمعاته، حتى مستقبل تطور لغته العربية الخاضعة حتى اليوم لعقليات ترفض التجديد رغم ان التجديد يفرض نفسه ويصبح متداولا حتى لو كان خارج القواعد المتزمتة التي تمنع تدفق الحياة للغتنا لتواكب مسار عصرنا.. عصر العلوم والتقنيات والهايتك !!
من هنا نرى الدور المفترض للنخب السياسية والمثقفة في المجتمعات العربية.
كعلماني انتمي للفكر اليساري ارى الموضوع أكثر خطورة من مجرد أزمة عابرة للنخب ، والصمت لم يبدأ مع انفجار الربيع العربي. ان  تواطؤ بعض المثقفين هو التعبير عن الواقع الاستبدادي حيث يعيش المواطن استبدادين وحدت بينهما المصلحة المشتركة رغم طفو خلافات شكلية على سطح الساحة السياسية والثقافية.. واعني اندماج الاستبداد الديني مع الاستبداد السياسي ، حتى في الدول التي لم تتورط بعد بعناصر داعش والنصرة وملحقاتهما!!
كشف الربيع العربي تفكك طلائع المثقفين العرب بما في ذلك نخب اليسار في العالم ألعربي تخبُّطهم، وعدم وضوح الرؤية السليمة لديهم.
من المهم التأكيد انه في جذور شلل النخب العربية ، تخلف البنى الاجتماعية العربية وتعثر تقدمها.. وهي ظاهرة تكاد تكون دولية، أي ان النخب السياسية والثقافية في الغرب أيضا مصابة نسبيا ببعض ما نعاني منه في مجتمعاتنا. مثلا اليسار في الغرب في أزمة وجودية ، بل ويناصر التطور الرأسمالي من اجل استمراره.. هذا الواقع يشجع اتجاهات فاشية جديدة في اوروبا وامريكا. الفرق ان الغرب يملك الطاقات للتقدم والخروج من أزماته الاجتماعية القاتلة بينما المجتمعات العربية تزداد غرقا بالفكر الأصولي منتظرة الخلاص من السماء بغياب أي خطة بديلة تبشر بأفق جديد.
كان غياب اليسار من لعب دوره في حركة التغيير العاصفي التي اجتاحت العالم العربي،هي الاشارة التي جعلتني متشائما من مستقبل "الربيع العربي" ورأيت به حركة غضب اشبه بالثورة الفرنسية التي انفجرت بدون قيادة مركزية فجاء نابليون ليفرض سيطرته بغياب قوى قادرة على ادارة المجتمع المدني ودفعه نحو الأهداف التي كانت وراء الانفجار الغاضب.. وأظن ان ما جرى في مصر ، مع كل الاختلافات لم يختلف عن تطور الثورة الفرنسية شكليا على ألأقل وحكمنا على التطورات في مصر سابق لأوانه الآن ، قلوبنا مع مصر وشعبها من رؤيتي ان مصر هي مفتاح العالم العربي  وهي واجهته السياسية امام العالم كله.
هل يمكن مثلا الحديث عن اجهاض مشروع التغيير الديمقراطي الحقيقي ضد كيانات الاستبداد والإفساد في الوطن العربي بكل مركباتها الثقافية والاجتماعية والفكرية بدون التطرق لدور النخب العربية ومستوى تأثيرها على ألأحداث
اصلا هل طرحت مثل هذه المشاريع في ظل انظمة جعلت من الدولة مطيتها العائلية او القبلية؟
الأنظمة العربية سجلت "انتصارا هاما" بالقضاء على تنظيمات المجتمع المدني، من أحزاب وحركات سياسية واجتماعية وحقوقية قبل الربيع العربي بفترة زمنية طويلة، مما ساهم في انفجار الربيع العربي بدون قيادات قادرة على توجيه الدفة الانتفاضية.. فجاءت القوى "المنظمة" وهي اصولية دينية وقفت متفرجة في بداية الربيع ألعربي ان لم تعاديه ضمنيا.
من هنا نجد ان الربيع العربي كان انفجارا صادقا .. لكنه إفتقد لقيادة النخبة الثقافية والسياسية بظل تفكك تنظيمات المجتمع المدني وقمع حركات المثقفين والثقافة النقدية للأنظمة، خاصة تنظيمات اليسار السياسي واليسار الاجتماعي واليسار القومي.. طبعا تُرك الباب على مفتوحا للتنظيمات الدينية الأصولية التي خدمت النظام وخدمها النظام، رغم ان الصورة احيانا نقلت "صراعا" بين النظام والحركات الأصولية، لكن الجانبين كانا على وعي كامل بصلة المصالح المشتركة بينهما.
في سوريا الاوضاع تطورت بشكل الحق الضرر بالثورة الشعبية التي بدأت ثورة سلمية.. قبل ان تضطر لرفع السلاح لصد العنف الدموي للنظام السوري لكننا اليوم نقف امام اشكالية أخطر بإغراق سوريا بقوى لا تمت للشعب ألسوري (او للشعوب العربية) بأي صلة فكرية او اجتماعية او سياسية تخدم المجتمع السوري والشعب السوري وانجاز اهداف الثورة الشعبية السورية!
صرنا نرى بانتصار النظام الاستبدادي على تنظيمات مثل داعش والنصرة والقاعدة  مكسبا هاما متجاهلين جرائم النظام ضد الشعب السوري.
أذن نحن امام ظاهرة غريبة، اوراق  مخلوطة بظل غياب قيادات فكرية، ثقافية وسياسية ، بل وبعضها لم يتردد في العودة الى حظيرة الأنظمة الاستبدادية.
ان دور النخب السياسية والمثقفة في المجتمعات العربية هو دور بالغ الأهمية وبالغ الخطورة على المستقبل. لا انفي ان النخب قائمة ، لكنها مفككة ومتنافسة على مكاسب لم نصل اليها بعد. هذه اشارة الى غياب الجسم التنظيمي المدني الذي يصهر النخب الثقافية والسياسية ببوتقة تنظيمية ذات اهداف واستراتيجيات سياسية لا ارتجال فيها.
طبعا الساحة ليست خالية من قوى تلعب ادورا سلبية ، مثلا تطورت بعد الربيع العربي بشكل غير مسبوق الظاهرة الطائفية التي لم تعد بمجال التحريض فقط، بل تنفذ جرائم مريعة ستلقي بظلالها لسنوات قادمة كثيرة على الواقع العربي وتعميق ازماته وتعثراته. كذلك لا يمكن تجاهل النزاعات الإثنية الدموية في العالم العربي.
لقد كشفت أحداث الربيع العربي الكثير من الخفايا في تعامل انظمة العرب  مع مواطنيها. المسالة لم تكن هامشية، بل لها صلة اساسية تتعلق بشكل الدولة باعتبارها كيانا سياديا شرعيا.
هل حقا كانت دولنا ذات كيانات سيادية شرعية؟
هذا موضوع تنبثق منه وعبره كل السياسات الخارجية والمحلية التي لا قيام لدولة حديثة في عالمنا بدونها.
في الدول التي تعاني من نزاعات اثنية وطائفية داخلية بسبب عدم الاندماج ، تطرح العلوم السياسية اتجاهان من اجل توطيد الجهاز السياسي وتخليص الواقع الاجتماعي أيضا من صراعاته التي لا تخدم أي هدف يضيف لمكانة الدولة ودورها .

الاتجاه الأول يعرف باسم "الهيمنة" وهو الاتجاه السائد في انظمتنا العربية، في الهيمنة يجري استخدام النفوذ السياسي والديموغرافي والاقتصادي لدى الأكثرية الاثنية او الطائفية من اجل تضييق الخناق على الأقليات المختلفة.. وهذه السياسة تقود ايضا الى عرقلة تطور الأقليات في المجال الإقتصادي والسياسي.
الاتجاه الأخر يعرف باسم "الحل الوسط- ألتسوية من السابق لأوانه طرحه الآن لكنه يفسر نفسه بأنه اتجاه للاعتراف بالحقوق الكاملة للأقليات كمواطنين متساوين. هذا النهج سائد في الكثير من الدول الأوروبية وآخرها ايرلندا بعد توقف القتال مع البريطانيين الذي استمر لعقود طويلة.في كندا ايضا نفذت سياسة الحل الوسط مع السكان من أصل فرنسي.نفس الأمر جرى في الولايات المتحدة بعد المعركة الشرسة التي قادها مارتن لوتر كينج ضد القوانين العنصرية.
من هنا رؤيتي ان المثقفون العرب والنخب السياسية العربية التي حيدت لعقود طويلة، يجب ان تبادر الى العودة بإطار تنظيمات مجتمع مدني الى ساحة النشاط الاجتماعي والحقوقي والبدء بوضع رؤية للنشاط السياسي من منطلق ان الثقافة هي الوجه الآخر للسياسة ولا ثقافة بدون رؤية فكرية فلسفية اجتماعية شاملة .
صحيح ان الهيمنة القائمة في عالمنا العربي هي هيمنة قبلية او عائلية او فئوية على ألسلطة الاضطهاد يلحق جميع المواطنين  ويبدو ان اثارة النعرات الطائفية والاثنية بات حلا للأنظمة ألفاسدة تنجرف اليه القوى المضللة دينيا بوهم ايماني اجرامي يلحق في النهاية التدمير بالمجتمعات العربية ومستقبلها.
لا توجد حلول سحرية . الواقع العربي يحتاج الى تحرك النخب العربية والتواصل بينها، لا بد من وضع استراتيجيات مناسبة للمرحلة التي تعبرها كل دولة على حدة، وان تتقوى روابط التضامن بين النخب العربية والقوى الديمقراطية والحقوقية في مختلف ارجاء العالم . لا يمكن النضال ونحن معزولين عن عالمنا الواسع وعن مختلف التطورات الجارية في جميع المجالات.
nabiloudeh@gmail.com



التسميات :

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

0 التعليقات:


اخبار الأدب والثقافة

الآراء الواردة في المقالات والبلاغات تعبرعن أصحابها وليس إدارة التحريرــ الآراء الواردة في المقالات والبلاغات تعبرعن أصحابها وليس إدارة التحرير back to top