الخميس، 3 أكتوبر 2013

الشاعرأحمد بلحاج آية وارهام

نشرت من طرف : ABDOUHAKKI  |  في  9:43 م


التفرغ مطلوب لبناء المجتمع روحا وفكرا وقيما
1
   علينا أن نستحضر-ونحن نروم الحديث عن الكاتب وسؤال التفرغ- كون فضائنا المجتمعي والسياسي لايعترف بصفة (كاتب)،فلو أجريت استفتاءا عن حضور الكتاب والشعراء في الذاكرة المجتمعية والسياسية لهالك الغياب الممض الذي يستوطنها،في مقابل الحضور المشع للفنانين والرياضيين ونجوم السينما.فنحن مجتمع خارج عن كل ما هو ثقافي بانٍ،فكيف نريد منه أن يفكر في شيء اسمه صفة(كاتب)؟،زيادة على أن البيروقراطية الإدارية فيه تتحكم في كل دواليب الحياة،وما تنفك تضع أمام حملة الأقلام العراقيل كلما دُعُوا إلى حضور نشاط من الأنشطة،وذلك بقوانينها الصماء.
                               2
إن التفرغ ليس نظاما للترف والاستجمام،وإنما هوامتحان للكاتب لاقتحام نارالإبداع التي لم تُقتحم بعدُ،وتوجُّهٌ إلى الطريق السالك لإبداع حقيقي،ومشروعٌ حضاري كوني.فلماذا يُحرم الكتاب منه؟،ويمنح للرياضيين ولو بصفة مؤقتة؟أليست الكتابة نبضاً معافى في جسد مجتمعي تتكالب عليه النواقص والأمراض؟وإثراءا للهوية، ووضعاً لها في مدار الكونية؟.ففكرة التفرغ هي من حيث المبدأ فكرة حيوية،مطلوبة لصالح بناء المجتمع روحا وفكراً وقيماً ووجدانا وهويةً أولا،ولصالح الكتاب ثانيا.غير أن الدعم المادي والمعنوي لها لاينبغي أن يكون مفتوحا ومطلقا،بل يجب أن يكون عقلانيا،ومشروطا من ناحية مدة التفرغ،ومن ناحية حجم الدعم ونوعيته.
                           3
للكتابة أفقها الجمالي الخاص،وانشغالها غير اللحظي،وهي لاتتأتى إلا لمن ينحت من صميم حياته وهمومه الكونية،ويلتحم باليومي الراكض فينا بالمرارات والإحباطات ،لاستشراف مدن الحلم المُتَضَوِّعة بورد المستحيل.ولأجل هذا ينبغي تفريغ الكاتب ليقودنا إلى هذه المدن التي لا أحد غيره يرشدنا إليها.
                          4
لقد طال انتظارنا لتفريغ الكتاب والأدباء،ومنحهم بطاقة(كاتب)حتى ليكاد هذا الانتظار يكون هو الزمن كله.ونحن حين نطالب به،ونقول له: نعم،فإننا نقول له كذلك:لا،حين يراد استغلاله في ضجة إعلامية،وبهرجة سياسية تحجب مضمونه،وتزيد في معوقاته.
إن التفرغ خطوة صغيرة في طريق دعم الكتاب والأدباء والشعراء الذين لم يحصلوا على أي دعم فعال من الدولة،فهم عندها في حكم المجهولين،حتى في المناسبات التي يُحتفَل فيها في بلدهم بالثقافة والإبداع .إنهم خارج الدائرة، ولا ينالون  حظ المطرب والممثل والرياضي،فهؤلاء لهم السبق والأفضلية  ،تُخصَّص لهم قنوات وصفحات ومتابعات في جميع وسائل الإعلام بكل ضروبها.فأين الكتاب والشعراء من كل هذا؟
                             5
لا ينشد الكاتب من التفرغ إلا تنمية مفاهيم إبداعية وثقافية وجمالية جديدة،ومُعَيَّنة كمشروع مستقبلي،وذلك وفق آليات اشتغال محددة.ولكن مَنْ سيُفرِّغُ منْ؟هل الإدارة الغارقة في غبطة بيروقراطيتها تُدرك معنى الكتابة ،وأهميتَها وجدواها في مجتمعنا؟وترى إليها كممارسة حياتية،وفعل أونطولوجي يخصب الزمن،ويمد السيور الناقلة بين الأنا والآخر؟.
على وزارة الثقافة-الموكول لها تدبير الشأن الثقافي-أن تدافع عن فكرة التفرغ،وتناقشها مع كل الفاعلين الثقافيين،للوصول إلى تصور يُبَيِّن مجالاتها وآليات تطبيقها.فلحظتنا الراهنة المتأزمة المأزومة أحوجُ ما تكون إلى فكرة تفرغ الأدباء والشعراء،لإبداع ضوء جديد يخرجنا من النفق الذي نراوح فيه ،ويضعنا على مشارف الحضارة المعاصرة بكل مكوناتها وتجلياتها.فالتفرغ ليس معناه منحَ الكتاب فسحة استرخاء للتأمل،وإنما معناه تحفيزُهم على  اجتراح ما لم  يُجتَرح  من قبلُ ،ووضعُهم أمام مسؤولياتهم التاريخية والإنسانية والحضارية،باعتبارهم المِلْحَ الذي لايفسد إذا فسد كل شيء.
                             6
وإذا سلمنا بأن فكرة التفرغ ضرورية هنا والآن،فإنه ينبغي أن نلاحظ بصددها ما يلي:
1-أين هو الصندوق،أو الصناديق التي ستكفل التفرغ؟وكيف ستنشأ؟ومن سيكون المسؤول عنها،ويقوم على تدبيرها؟.فالتفرغ لايكون بغر مقابل.
2-هل النظرة إلى الكتابة الإبداعية نظرة عقلانية مستقبلية؟أم نظرة محكومة بمزاج السياسي،وبالنزوع النفعي الاستهلاكي المتحول؟.
3-وما القيم الجمالية التي ننشدها حين نمنح التفرغ،هل هي القيم الجمالية القديمة المستبِدَّة حاليا؟أم القيم الجمالية الكونية الحديثة؟.
4-وهل يستطيع الممنوح لهم التفرغ أن يلتزموا بوقت التفرغ، ويبدعوا كونا جماليا محلوما به كما وَعَدوا؟أم أن الإبداع مرهون بالزمن النفسي للكاتب،لا بالزمن العادي؟.
غاية قانون التفرغ الأولى-إذاأُنجز-هو إعطاء الشاعر والأديب مدة من الزمن لينجز-انطلاقا من تجربته العميقة والفريدة-عملا إبداعيا يخصه ويعنيه،مثلما يخص المجتمع ويعنيه أيضا.فهو من يحدد موضوع هذا العمل،ومعماره وأسلوبه وتقنياته،ولادخل لأي كان في ذلك ،فهو مسؤول عن إتمامه على أرقى الوجوه وأتمها إبداعا،لأنه لم ينشغل طيلة مدة التفرغ إلا به،ولم يُطالَبْ بالدوام في عمله الوظيفي،ولا بمتطلبات المعيشة الأسرية وشؤونها،لكون قانون التفرغ يكفل له الحياة الكريمة.
                              7
بالتفرغ نستطيع أن نحصل على نصوص شعرية وسردية فيها من الإبداع أصفاه، ومن الرقي الثقافي أسناه،ومن العمق الحضاري أوسعه،ومن الحس الإنساني أعلاه،ومن الرؤية الثاقبة أسَدَّها.وهذه النصوص يمكن لها أن تفرش ظلالها في الزمن البعيد الأبعد ، وتبقى علامة فارقة في جبين الأدب العالمي.
وتحصينا لكل هذا من أي استغلال أو محسوبية ندعو إلى أن يكون التفرغ مرة واحدة في حياة الكاتب والشاعر،وأن لايُثنَّى  ولايُثَلَّث  تحت أية ذريعة من الذرائع.

  

التسميات :

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

0 التعليقات:


اخبار الأدب والثقافة

الآراء الواردة في المقالات والبلاغات تعبرعن أصحابها وليس إدارة التحريرــ الآراء الواردة في المقالات والبلاغات تعبرعن أصحابها وليس إدارة التحرير back to top