جمرة الكتابة ..
بؤس الكاتب .. بوارالكتاب
الكاتب أي كاتب ،
قبل أن يكون كاتبا ، ماهو إلا بشرا مثلنا .. يأكل .. يشرب .. يسعى في الأرض بحثا
عن رزقه مثل كل بني آدم ...
العديد من
الكاتبات والكتاب في العالم من راهنوا على أحصنة أقلامهم وجعلوا من الكتابة
مصدررزقهم ، يقتاتون على خبزها ويستحلبون بعض الدريهمات من ضرعها الضامرلتدبيرمتطلباتهم
اليومية الأساسية منها والكمالية ، من فنجان القهوة وعلبة السجائرإلى وصفة الدواء
أوالإقامة في منتجع جبلي أوشاطئ إن إستطاعوا إلى ذلك سبيلا ...
والقليل من الكتاب
العالميين المشهورين من إستطاعوا أن يشيدوا لهم فيلات فارهة وشاليهات معزولة ومغمورة
بالسكينة تشع دفئا وتطفح رغدا وبحبوحة ، يدخلونها بمفتاح الكتابة وعائداتها
المالية أومايصطلح عليه في بورصة دورالنشر (th best
sellers ) أوالكتب الأكثرمبيعا والتي تتعدد طبعاتها من الأولى
حتى الطبعة العاشرة .. إلخ
ومن الكتاب الكبارمن
تعاقدوا مدى عمرالكتابة مع دورللنشرالتي حققت شهرتها عن طريق نشرمؤلفاتهم بدل أن
يحققوا هم شهرتهم عن طريقها ، كما هي العادة عندنا في العالم العربي ، ونذكرعلى
سبيل المثال لاالحصر الكاتب الأمريكي ''جيمس باتيرسون'' الذي تربع على عرش أغنى
كتاب العالم حسب المجلة الإقتصادية ''فوربيس" حيث تمكن ''باتيرسون '' هذا من حصد ما يناهز94
مليون دولارسنة 2011 ويأتي في المرتبة الثانية ''ستيفان كينغ'' ب 39 مليون دولارثم
في المرتبة الثالثة '' جانيت إفانوفيتش'' ب 33 مليون دولار...
لن أسرد كل أسماء
اللائحة الخمسة عشر، والذي يأتي في آخرقائمتهم ''دين كونز'' ب 19 مليون دولار، لكن
ليس من الغرابة في شيء إذا كانت هذه اللائحة لاتضم أي كاتب عربي أوحتى من الشرق الأوسط
أوالأقصى مثل العملاقتان الصين أواليابان ..
لكن هناك طائفة
أخرى من الكتاب الإلمعيين الذين تتهافت على مؤلفاتهم دورالنشرالأوربية والعربية
مثل إمبرتو إيكو وجوليا كريستيفا وميشيل فوكوورولان بارت والطاهربن جلون وإدريس
الشرايبي ورشيد بوجدرة ونجيب محفوظ ونزارقباني ومحمد شكري وفاطمة المرنيسي ونوال
السعداوي وعبدالله العروي ومحمد عابد الجابري .. إلخ
في المقابل فالسواد
الأعظم من الكتاب في العالم العربي والعالم الثالث ، قد انردمت على رؤوسهم
قصورالرمال التي شيدوها في أضغاث الكتابة ، فأضاعوا بذلك عمرهم في لاجدوى الكتابة ،
واحترقت فراشاتهم في تطوافها المحموم حول نارالإبداع اللافحة ونورها المخادع وتدوين
ما يمور به محيط مجتمعاتهم من تقلبات التخلف أو التطور.. وسرعان ما ألفوا أنفسهم ذات
ليلة متكورين في ركن صقيعي بإحدى المشافي العمومية الرخيصة يصارعون الموت لحظة
بلحظة من دون أن يلتفت إليهم حتى رفقاء درب الكتابة ''المشؤومة'' أوحتى قراءهم الذين إستمتعوا واستلذوا بأجمل
قصائد أوقصص أوروايات هؤلاء الكتاب (المرضى) .
كان إذن وفي خضم
هذا العوزو(الموت) الزاحف خلسة من تحت أسرة الكتاب أن يبحثوا لهم عن رمق للحياة
وعن كرامة ملفوفة في أوراق النقد المالي وليس النقد الأدبي ، بدل كرامة ملفوفة في
أوراق العفاف والكفاف والغنى عن الناس ...
فكانت الطريق الأقرب والأيسرإلى رتق ثقب الجيب ، صفحات الجرائد والمجلات هي
بمثابة المنقذ من ظلام الجيب والبؤس من خلال التعاقد على نشرأعمدة يومية أودورية
في مختلف ضروب الحياة الثقافية والفكرية والسياسية والإجتماعية ..إلخ كل ذلك مقابل
مكافأة مالية أوتعويض .. وتلك حكاية أخرى قد يمتد مسلسلها إلى عشرات الفصول قبل أن
تأتي حوالة التعويض في آخرحلقة هذا المسلسل بعد أن تكون قد تراكمت على صاحبنا الكاتب
البطل العشرات من القروض والسلفات في إنتظارالذي يأتي ولايأتي أوفي أسوء المشاهد
بعد أن يكون المؤلف حقا قد
مات ...
إن هذا المشهد
الكاريكاتوري للكاتب إن لم نقل التراجيدي لذوبان جسد الكاتب العليل في (حمض) الكتابة
إذا كان حقا المال هوالشكل المادي للكرامة قد طرح على المؤسسات الثقافية في بعض
الدول العربية سؤال ''التفرغ'' قصد إنتاج (الكتابة) في مختلف مناحي الفكروالأدب من
تلك الآلة الآدمية الرابضة خلف المكتب والتي يسمونها الكاتب ...
فهل الكاتب(ة) بات
اليوم أكثرمن أي زمن مضى في حاجة ماسة إلى وضعية ''التفرغ'' المنظمة بقانون لممارسة
حرفته .. حرفة تمكنه من وضع إعتباري قريب من الوظيفة المنظمة بقانون تلزمه
بدفترتحملات خاص بالإنتاج المنتظم على طول السنة بهدف الحصول على دخل ⁄ راتب ⁄ معاش الكتابة فقط وليس إلا الكتابة لكن في
فضاء من الإستقلالية الكاملة في مقاربة فكرية وموقفية متحللة من ضغط '' المقابل''
بالمعنى الدارج المغربي من شروط '' اعطيني نعطيك'' .
من هنا إذن يتبدى
غموض هذا الديليم الصعب بين التفرغ المنظم بقانون مؤسسة الدولة وبين مهنة الكتابة
بماهي نشاط ذهني وفكري وثقافي لايتنفس أكسجينه الأنقى إلافي سماء الحرية
والتعبيرالحرفي كل القضايا الإنسانية التي تشغله أوتشغل مجتمعه ولايستقيم هرمها
إلا على أرض الكرامة ...
هل الكاتب في حاجة
إذن للتفرغ ؟ ومن هم هؤلاء الكتاب الأحق بوضعية التفرغ ؟ وهل هناك معاييرجاهزة على
غرارمعاييرالجودة التي يقوم عليها كل منتوج يعرض للإستهلاك سواء كان ماديا أم
رمزيا ؟ أم على الكاتب أن يتحمل تبعات إختياراته مثلما يتحمل عواقب أقداره التي
ليس الآخرون ملزمون بتقاسم ألامها معه تماما مثلما مات إدغارألان بو منبوذا في ركن
مقهى .
0 التعليقات: