الخميس، 3 أكتوبر 2013

الشاعرة نجاة الزباير

نشرت من طرف : ABDOUHAKKI  |  في  8:35 م


أصابع من هواجس السؤال
فكل مبادرة تعانقها السياسة و النفاق الثقافي مصيرها الوأد ..
الكتابة عشبة حضارية تنمو في جسد هذا الوجود كي يتضوع جماله، فأن نكتب معناه أننا نحفر بيراع ضوئي ذواتنا بواسطة شاحنة من الأفكار التي من خلالها نخلق التواصل مع الآخر، محاولين خلخلة مجموعة من المفاهيم المرتبطة بمخزون الإنسانيات. هذا الانفتاح على الثقافات السائدة؛ يمنحنا طاقة لبناء صرح خيالي إبداعي.
ـ لكن ما معنى أن يتفرغ الكاتب ؟
قبل أن أجيب على هذا السؤال أراني أركض في أرض بعض الهواجس التي تسكن أنامل الوقت كي أرفع الستار عنها.
 ـ هل تراك تقصد أن يُمنح حقوقه الاعتبارية المسكوت عنها؟ اسمح لحبري إذن أن يتدفق  فوق هذا البياض لأقول :
عندما يكون المجتمع حرا، ونقصد بالحرية أن تكون كرامة الإنسان من أولوياته، أي أن يُبنى بشكل سليم، وينمو أطفاله في مناخ ثقافي يحبون فيه القراءة والكتاب، ويُشار لأسماء الكُتَّاب في كل المناسبات بالتبجيل والتعظيم، فأحمد شوقي مثلا قد قال:
           قم للمعلم وفه التبجيلا    كاد المعلم أن يكون رسولا
فكيف بالكاتب الذي يسقي شجرة الكون بدمه كي تستظل تحت نورها الإنسانية جمعاء، حيث تنير رؤاه كل العوالم، أو ليس حَرِيّاٌ بنا أن نجعله شمسا تجتاحنا أنوارها ونحن نتدلى من سقف الكلام باحثين عن جواز للمرور في دروب الحياة ؟!!
فكل كاتب يضع بين يدينا مفتاحا سحريا نستيقظ على إيقاعات ما وراء أبوابه كي تعانقنا دهشة الاختلاف.
عندها يمكن أن نطرح سؤال التفرغ الذي يحلم به العديد من المثقفين.
يا سيدي... إن المغرب رغم التيارات الكثيرة التي تتنازعه والتي  تضخ المياه في جزره من هنا وهناك كي تلتقي في كف الثقافة بشكلها الفضفاض، ما يزال خجولا في حمل مشعل الكتابة بشكل صحيح....فكل مبادرة تعانقها السياسة و النفاق الثقافي مصيرها الوأد ..
نحن مجتمع يغتصب حق الكاتب الذي أفنى زهرة عمره في مَدِّنَا برغيف الروح والعقل محاولا اعتلاء صهوة مجد يستحقه، يكفي أن تنظر للثقافة في بلدنا كيف تجر جثتها رغم الزخم الكبير من إنتاجات المبدعين الذين يدور أغلبهم في دائرة الصمت.
ـ فما معنى أن تكون متفرغا للكتابة في عالم تمزعه المصالح، وتتزاحم على مائدته أسماء وأسماء تركض لتعانق كعكا وهميا، فالكاتب حُضور سواء بشكله الظاهري أو بحرفه الذي يؤسس به معنى جديدا للوجود ، لكن هذا الزمن الرديء بعثر كرامته، فكيف يتفرغ للكتابة ونحن لم نضع استيراتيجية لتأمين أبسط حقوقه وهو الظهور. نعم نحن نقتل مبدعينا بالحصار، وهدم ما يبنونه بالشك في كل ما يقومون به، وهم يحصدون الجوائز والتقدير في أرض غير أرضهم إلا من رحم ربك، ويموت أغلبهم غرباء في وطنهم.
ـ وما معنى أن تكون متفرغا في أرض تمد حبال وصالها للآخرين، وتدفن بقوة طاقة آخرين؟
إن وطننا باذخ في فلسفة التجاهل، و هذا الطرح محمدة قد تُحول نبض الريح الذي طالما طرز دفتر البعض بخيوط عاشقة لولادة ثانية ، لكن ترى من سيحظى بهذا الشباك الصغير الذي ستطل منه الثقافة عارية من الأنانية ؟!!
هل ستدعمه المؤسسات الثقافية المعترف بها، أم الجمعيات التي ظهرت في كل مكان حيث يجتهد أفرادها في رد الاعتبار للكتاب والكاتب على حسابهم الشخصي؟
أم علينا إضافة بند في الدستور خاص بالكاتب الذي يتمرد على دمعه كي يرسم ابتسامة فوق شفة الوطن، لإزالة هذا الضباب الذي يمتد في خريطة وجوده؟
ولكن عن أي كاتب نتحدث؟
هل عن الذي يصنع من الرمل سريرا يستلقي فوقه متأملا أمواج البحر الهادر؟
أم الذي يقتات من الأفق قصيدة حالمة ويمشي في الشارع مصغيا لأنين خطاه؟
أم ذلك الذي يضع كل الأشياء في كفه ليشكل منها طيرا إلهيا يوزعها فوق قمم المعنى حيث تحيا الكينونة بعلمه؟

ما أكثر الكُتاب وما أقلهم في نفس الوقت، وإن منح التفرغ لواحد دون الآخر سيجعل زوبعة داحس والغبراء تجتاحنا ، وفضاؤنا الثقافي ملوث بما يكفي.
إن الحيرة تطل بعنقها من سماء هذا التساؤل الذي تنبجس من بين أصابعه النار و الماء و الهواء والترافمن يجمع غواية هذا التيه ؟!!!
أم تراها إذا ضاقت عَباءة العبارة اتسع جسد الوهم كي تهطل منه أسرار الزمن الآتي حيث الحلم بالأفضل يفرد جناحيه ؟  
هناك كتاب ذاقوا لوعة الجحود في أوطانهم، لذا  أنا مع كل ما يضيء درب الثقافة لحفظ كرامة الكاتب لكن من يا ترى سيفعل ذلك؟ !
ـ أن يتفرغ الكاتب معناه أن تتجدد وتتغير كل الأرضية الثقافية السابقة، ويخلخل تاريخ بأكمله، واضعين في عين الاعتبار أن في بلدنا كبارا يجب أن تنحني لهم أوطاننا لِمَا قدموه من علم تنهض به الأمم، وهذا ما جعل أبناءنا يتألقون في كل أشكال الكتابة أنى حطوا الرحال رغم الظروف المادية الصعبة التي يعاني منها الكثيرون.
ونعتبر التفرغ  بمثابة مَدِّ وعي جديد وفتح شوارع وأزقة لم تكن من قبل، كي يمنح الكاتب فرصة للتأمل أكثر لإنتاج أقواس ربيعية تستوطن الوجدان وتحرك دفة التراث الإبداعي الإنساني، رغم أن الكتابة جنون يحضر ويختفي حسب أجراس الذات الإبداعية وزمنها النفسي ..
ولكن هل تفرغ الكاتب سيكون على حسابه الشخصي أم بدعم طالما ارتفعت الأيدي للتنديد بانعدامه ؟!!!


التسميات :

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

0 التعليقات:


اخبار الأدب والثقافة

الآراء الواردة في المقالات والبلاغات تعبرعن أصحابها وليس إدارة التحريرــ الآراء الواردة في المقالات والبلاغات تعبرعن أصحابها وليس إدارة التحرير back to top