الخميس، 3 أكتوبر 2013

الأستاذ الباحث الكاتب ادريس كثير

نشرت من طرف : ABDOUHAKKI  |  في  9:31 م


الحق في التفرغ 
يبدو ان المشرع المغربي حين فكر في تقنين التفرغ كان يهدف الى إيجاد اطار قانوني يملأ به كل فراغ قد يحدث في الوظيفة العمومية او لبس قد يمس الازدواجية في ذات الوظيفة ..و أحدث" قانون التفرغ" في مجالات شتى في المجال النقابي و السياسي و الجماعي و الجمعوي و الثقافي .
سأركز قولي على التفرغ في المجال الثقافي .لكن قبل ذلك لا بد من التأكيد على ان مسألة التفرغ اشكالية اخلاقية قبل ان تكون قانونية او سياسية . تتوقف على قيم الارادة و الضميروالجدية .لا بد من ارادة حقيقية لتوظيف واستعمال التفرغ و لابد من التعاطي معه بالضمير الحي و لابد من جد وكدح أثناء ممارسته.و الحال ان صورة التفرغ في المغرب الآن صورة تعكس المحسوبية و الحضوة والزبونية والادعاء و التطفل و الخمول والتكاسل..
طبعا لا يمكن للأخلاق ان تسيج بقوانين وضعية .فهي إما قيم موجودة في الفرد او غير موجودة ، قيم يتم احترامها والارعواء منها ام لا .لذا كل الاحترازات القانونية لا تجدي نفعا في سفك ذمة الإتيقا و الاعراف النبيلة.ومع ذلك للقانون زجريته التي تفيد في مستويات أخرى من التفرغ.
أقصد بالتفرغ الثقافي تفرغ الكاتب للكتابة علما بأن هناك أشكال اخرى على المستوى الثقافي .
لكن الكاتب الحقيقي لا يتوقف في مباشرة الكتابة على التفرغ ولا يحتاج اليه ضرورة . فهو يكتب مهما كانت الظروف لأن الكتابة لديه شرط من شروط حياته ولأنه وقع في شرك غواية لا فكاك منه و الكتابة عنده قيمة من القيم السامية .لذا فهو يكتب أحسن وأفضل كلما عاكسته الظروف و حاولت إرغامه على ترك الكتابة وما يتصل بها من أنشطة ثقافية .ولا جدوى الكتابة ولا نفعية الثقافة ولامقروئتهما وما شابه مثل هذه القيم الارتكاسية السالبة هي ذرائع الفاشلين المتطفلين على محراب الكتابة.
الكاتب الحقيقي هو الذي لا يتذرع بظروف العمل وبانشغالاته اليومية ليبرر تقطع الكتابة لديه بله غيابها.و ظروف العمل  و مواجهة اليومي ورتابته شرط من شروط الكتابة وحافز من حوافزها .هذا المثقف هو الذي يعمل جاهدا على أن يميز نفسه عن المهرولين الكسابين الشكليين الذين إذا دخلوا قرية الثقافة والكتابة أفسدوها..
في ظل مثل هذه المبادىء وبدون خلفيات ، يمكن الحديث عن التفرغ للكتابة.
التفرغ حق يكفله القانون.إذا طبقناه في النقابة أو في المجالس البلدية فلم لا نطبقه في الكتابة والابداع؟
إلا أن هذه الحالة لا وجود لها في المغرب اللهم عبر تحايلات جمة متوارية .و الحالة هذه فاننا نطالب بشيء لا وجود له أو نطالب بسن تقليد في مجال لا تقاليد فيه.
عدد الكتاب في المغرب قليل جدا.وهم يعتبرون من النخبة .وبما ان العدد قليل فالتفرغ يعتبر امتيازا للدورالرائد الذي يمكن ان يقوم به الكاتب و للوضع الاعتباري الذي يمكن للمجتمع من خلال مؤسساته أن يمنحه أياه.
الكاتب في المغرب لا يعتبر.لأن مقياس الاعتبار للنجم السينمائي و للمغني و للرياضي لايزال مقياسا عاميا عدديا و تجاريا .وإذن الاستهلاك الجماهيري الواسع هو المحدد. ولأن الكتابة للنخبة تتوقف على القراءة وهذه الأخيرة ليست تتوقف على السمع أو المشاهدة و الفرجة الرخيصة بل تحتاج الى القدرة على القراءة أولا و الرغبة فيها ثانيا فإذن اعتبار الكاتب يتطلب مجهودا مضاعفا من طرف المتلقي لذا ينفر من القراءة والكتابة  وبالتالي من الكاتب .
وما يزيد النفور حدة تطاحن الكتاب فيما بينهم حول طواحين وهمية وامتيازات استيهامية ، واسترخاص عمق "بضاعتهم البائرة " و الجري وراء الحضور الكمي و الشكلي (طبعا ونشرا)على حساب حضرة المحتوى والمستوى.
تبخيس الكتابة والكاتب لا يعود إلى عامة الناس بل يعود الى خاصتهم في الأساس.
حاجة المجتمع في أن تكون له رواد في الثقافة من فكر وأدب وعلوم هي التي تفرض وضعية "التفرغ".هل نحن في حاجة الى الكتاب؟
لا شيء يؤكد هذه الحاجة الملحة آنيا .فمهما كتبنا من روايات ورصعنا من قصائد وألفنا من أفكار وأبدعنا من ابداع فهذا لا يغير قيد أنملة من أمرنا.لأن معيار الحاجة هنا لا يقاس بالاستهلاك اليومي في هذه المجالات إنما يقاس بقسطاس الحضارة :هل سنملك يوما ما مثل الإلياذة والأوديسا ومثل عوليس وأولاد حارتنا ومثل الجمهورية ونقد العقل الخالص و الاستطيقا..؟ لمثل هذه السجلات والملاحم الحضارية نتمنى "التفرغ".
وبما أن الكتابة ليست مهنة تضمن العيش الكريم إلا فيما نذر فلا بد من سن قانون "التفرغ" ووضع شروط معقولة و دقيقة لترسيمه وتطبيقه.
هناك العديد من المؤسسات التي يمكنها أن تشرف على هذه المهمة نخص بالذكر وزارة الثقافة واتحاد كتاب المغرب..
جوهر الحق في التفرغ هو الالتزام و التنفيد الفعلي لمشروع التفرغ ..سواء كان في شكل رواية أو ديوان أوبحث أو تحقيق أو تقرير..ويكون محدودا في الزمان وقابلا للتجديد.   


التسميات :

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

0 التعليقات:


اخبار الأدب والثقافة

الآراء الواردة في المقالات والبلاغات تعبرعن أصحابها وليس إدارة التحريرــ الآراء الواردة في المقالات والبلاغات تعبرعن أصحابها وليس إدارة التحرير back to top