الخميس، 3 أكتوبر 2013

الأديب والصحفي عبد العزيز كوكاس

نشرت من طرف : ABDOUHAKKI  |  في  8:59 م


ككاتب "برجوازي رث"، يبدو لي سؤال التفرغ لدى المبدعين المغاربة اليوم، أشبه بالترف الفكري
الكتابة امتياز وجودي وليست اختيارا كما أنها ليست وظيفة، بل هي أشبه بالتورط القصري اللذيذ والمر، الممتع والمفجع... في روح الكون، وهنا يجب التمييز بين نوعين من الكتابة: الكتابة المرتبطة بالحقول الأكاديمية أو الميدانية وهذه عادة ترتبط بوظيفة الكاتب الذي قد يكون أستاذا جامعيا أو صحفيا أو طالبا أو موظفا له انشغالات من صميم وظيفته أو موازية لها، وهنا لا يطرح مبدأ التفرغ للكتابة، لأنه تفرغ علمي مرتبط بزمن محدد ومكان محدد داخل البلد أو خارجه، وهنا تراعى مسائل تقنية مثل نوع الشهادة أو البحث وجدوى الموضوع وعدد المؤلفات والبحوث المنشورة، ووجود لجنة علمية تحقق في ملفات الكتاب طالبي التفرغ لمدد معينة ترفع بدورها تقريرها إلى مجلس الجامعة أو الكلية أو المعهد أو المؤسسة المعنية، مع وجود هيئة نزيهة تتابع مسار هذا النوع من التفرغ،وترتب الجزاءات والكفاءات حسب احترام أو إخلال الكاتب المتفرغ للحقوق والامتيازات الممنوحة له، لكن مجال الكتابة الإبداعية يطرح إشكالات عديدة بعضها أخلاقي وبعضها مرتبط بشكل الثقافة التي ننطلق منها اليوم وتلك التي نسعى إلى ترسيخها، وصدقوني إذا قلت لكم إنني ككاتب "برجوازي رث" يبدو لي سؤال التفرغ لدى المبدعين المغاربة اليوم، أشبه بالترف الفكري ذلك أن هناك أولويات ذات ملحاحية كبرى تطرح على المجتمع المغربي وعلى صناع القرار أسئلة عميقة، في مقدمتها أزمة القراءة في المغرب والمردودية الرمزية والمادية لما يكتبه المبدعون المغاربة.
أزمة الإبداع في المغرب ليست مرتبطة بأوهام وظيفة الكتابة والبحث عن قانون للتفرغ الثقافي، بل هو لماذا لا يقرأنا المغاربة؟ ولماذا لا يجد المبدعون المعترف بفحولتهم الأدبية أي صدى في المجتمع وكيف سيحلم هؤلاء بالتفرغ للكتابة وتصنيف المؤلفات التي تعود لهم دوما مرجوعاتها أقوى من مبيعاتها كما يعود الزورق إلى النبع.
يجب ألا نضخم ككتاب من وظائفنا في مجتمع ليس لنا فيه أي موقع اعتباري، ولم تعد الإبداع والثقافة بمفهومها التقليدي تعيش سوى على هامش الهامش، والإشكال الثاني يرتبط بالوضع الاعتباري للكاتب المرتبط بدوره بسؤال: أي وظيفة للكاتب المبدع في حقل الإنتاج الرمزي بالمغرب وفي امتلاك سلطة القرار في مونوبول الإنتاج الرمزي.
صحيح أن الوظيفة كما بدت للكاتب عباس محمود العقاد ليست سوى عبودية القرن وأن الكتاب الكبار تركوا وظائفهم وتفرغوا للكتابة وضحوا بالاستقرار المادي تحت غواية التفرغ للإبداع، ومن واجب المجتمع أن ينتبه لهذه الزبدة الرمادية من الكتاب المبدعين في إطار وضع اعتباري، يعطي لمن وشم اسمه في حقل الإبداع والفكر التفرغ اللازم، لأن المردودية التي ستجنيها مؤسسات الدولة من إبداع أمثال هؤلاء الكتاب أقوى من مردوديتهم على مستوى الوظائف التي يشغلونها.
في المؤتمر الرابع للأدباء السعوديين دافع الكتاب عن إخراج توصية حول تفريغ المبدعين والكتاب، وفي الأردن ألغت وزارة الثقافة مشروع التفرغ الإبداعي الذي سبق أن صادقت عليه عام 2007.. قدمت هذين المثالين على اعتبار أن المملكة العربية السعودية تشكل مجتمع الموفرة والكتاب فيها لهم دخل مادي معتبر خارج إنتاجات الحقل الرمزي، والثاني هو الأردن سابق على المغرب في مأسسة الحقول الرمزية، وطرحت مع ذلك إشكالات حول ما سمي بقانون التفرغ الثقافي.. لذلك أعود إلى القول إنه من واجب الدولة أن تفكر في قانون التفرغ الميداني الذي يحتاج إلى بحث عميق وقراءة متعددة وسفر من أجل البحث عن وثائق أو كتب أو دراسة ميدانية في مجال ما، فهذا يدخل في إطار تشجيع البحث العلمي الذي يجب توسيع مجاله لكي لا يبقى حكرا على أساتذة الجامعات ومدرسي المعاهد الخاصة، في حين أن سؤال التفرغ الإبداعي خارج المبدعين الذين يشهد منتوجهم الرمزي على حقهم في التفرغ وإعفائهم من الجري وراء مستلزمات العيش وتوفير الاستقرار المادي ليتفرغوا لإبداعهم، فإنني لا أرى أي جدوى في مغرب الآن والهنا أي ضرورة وإلا سيصبح لنا بين عشية وضحاها جيش من الكتاب ينبتون كالفطر، وسيل من المنتوجات المقترفة عن سابق إصرار وترصد باسم الإبداع، وهذا فيه إسفاف وجري وراء الغنيمة، وجني على حرمة الإبداع.

عبد العزيز كوكاس

التسميات :

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

0 التعليقات:


اخبار الأدب والثقافة

الآراء الواردة في المقالات والبلاغات تعبرعن أصحابها وليس إدارة التحريرــ الآراء الواردة في المقالات والبلاغات تعبرعن أصحابها وليس إدارة التحرير back to top