التفرغ للأدباء والمفكرين
والكتاب والمبدعين عموما مطلب يستحيل قبوله بشكل قانوني
التفرغ شأن إداري
تنظمه قوانين وتشريعات تتباين حسب اختلاف الوظائف في القطاع العام وشبه العام والخاص
.غير أن أشهر تفرغ ولعله الأوحد هو التفرغ
للعمل النقابي . وهو تفرغ لمدة سنة قابلة للتمديد. لذلك يجدد سنويا ويستفيد منه النقابي
حتى يتدبر أمر نضاله من أجل ضمان حقوق الأجراء التي قد تكون مسلوبة من طرف الإدارة.
غير أن الإدارة دائما تحاول أن تقلص من عدد المتمتعين بالتفرغ بينما تصر النقابات على أنها مازالت في حاجة الى
عدد أكبر من المتفرغين لتتمكن من إنجاز نضالها الديمقراطي القانوني في انسيابية ويسر
وفعالية. وبين هذا وذاك، تحدث خروقات لاحصر لها من الطرفين فيفرغ أناس لاليؤدوا مهمة
ما ولكن فقط ليتسلموا رواتبهم عند نهاية كل شهر إضافة إلى علاواتهم وترقياتهم دون تقديم
أية خدمة .الوضع إذن في أسلاك الوظيفة والعمل في المغرب موبوء وكثيرا ما سمعنا منذ
الاستقلال الى الآن عن الموظفين الاشباح الذين يتقاضون رواتبهم من المال العام وينصرفون
الى شؤونهم الخاصة التي تدر عليهم فائضا ماليا بدون موجب حق . أما التفرغ لإنجاز عمل
فكري أو أدبي فلم نسمع عنه سوى أن يطلب المعني بالأمر الإيداع الإداري حيث ينجز ما
يرغب في تحقيقه دون تقاضي الراتب مدة التفرغ .لكن كل ما يضبطه القانون على الورق ,يسهل
خرقه في بلدنا العزيز حين يغيب الضمير المهني وتحضر المحاباة والمحسوبية. وقد كتب الله
لي أن أشهد نماذج حية لمثل هذه الحالات لمدة أربعين سنة قضيتها في سلك الوظيفة العمومية
يبدو أن التفكير في طلب التفرغ للأدباء والمفكرين والكتاب والمبدعين عموما مطلب يستحيل
قبوله بشكل قانوني وما أظن أنه حاصل في دول أخرى غيرنا ترتفع فيها نسبة القراءة ويحتل
فيها المفكرون والكتاب والمبدعون مكانة محترمة فيها الكثير من التبجيل للوضع الاعتباري
للكاتب. في المغرب لايمكن أن يعيش الكاتب من عائدات مؤلفاته المطبوعة لأسباب يعلمها
الجميع. وبما أن نسبة القراءة متدنية فلن يجد المؤلفون ناشرا يتعاقد معهم ليتركوا ما
كانوا يشتغلون به منقطعين للكتابة وقد ضمنوا لأنفسهم عيشا كريما طيلة حياتهم تاركين
لورثتهم حقوق تأليف يرثها الخلف عن السلف... في بلدان أخرى يستطيع الكتاب أن يحصلوا
على عقود مجزية مع الناشرين ومع المسارح ومنتجي الأفلام السينمائية والتلفزية والصحف
والمجلات والإذاعات وكل وسائط الاتصال المقروءة المسموعة والمرئية... إنهم غير محتاجين
للعمل خارج الوسط الفني والأدبي والثقافي ليصبحوا نجوما يخلدون في تاريخ أممهم... أما
عندنا فلا يكاد أحد يحس بوجود كاتب بل إن الإدارة تكره كراهية مطلقة الكتاب والمبدعين
وتتمنى إصماتهم بكل الوسائل. لعل اقتراح إحداث تفرغ للكتاب والمبدعين نابع من ضمان
عيش كريم لهم يغنيهم عن العمل المضني لكسب لقمة العيش حتى يتمكنوا من إنجاز أعمالهم
في أعلى درجات الجودة. لكن من يضمن الجودة التي يستمتع بها المعاصرون وتخلد لتستمتع
بها أجيال جديدة على مر التاريخ .... في إحدى الندوات الساخنة في سبعينيات القرن الماضي
أثيرت قضية عزوف الكتاب المغاربة عن المغامرة وقد استشهد أحد المتدخلين بأننا لانملك
كاتبا مثل ارنست همنجواي الذي يغامر في الأدغال مواجها الوحوش الضارية وفي الحروب ثم
يعود وقد اغتنت تجاربه فيسكب قلمه على الورق روائع أدبية خالدة... كان تعقيبي آنذاك
يتلخص في أن همنجواي حين يغامر لايترك زوجته نهبا للخصاص والضنك بل كل شيء موفر له
ولها ماديا وأمنيا، أما الكاتب المغربي فمغادرته للمنزل من أجل شراء خبزة تعتبر مغامرة
رهيبة غير مأمونة العواقب. ودون أن أستشهد بالأسماء، يمكن لتاريخ الأدب المغربي على
مر العصور أن يحصي عدد الكتاب الذين ماتوا أو قتلوا في الشارع العام بل وأمام منازلهم،
والذين اختطفوا لتغيبهم الأقبية الباردة المظلمة... لكن بالمقابل سيعجب المرء حين يعلم
أن أشباه فنانين يحملون أرقام تأجير في سلم الوظيفة العمومية دون أن يلتحقوا بمقرات عملهم ولاينتجون سوى التفاهات
ويساهمون في الحط من مستوى الذوق الفني بالبلد... اليوم تميعت تسمية الكاتب والفنان
والمبدع. لم يعد هنالك حد أدنى يمكن تحديده كجودة ينطلق منها الخلق الإبداعي. لهذا
أرى صرف النظر عن هذا المطلب، إذ لو أحدث تشريع في هذا المجال، فلن يستفيد منه من يستحقه
وسيفتح الباب على مصراعيه في وجه الموظفين الأشباح... لكنني أود بهذه المناسبة أن أعرج
على قضية عانى منها جيلي أو على الأصح عانيت منها شخصيا... إذ كل واحد في هذا البلد
يتدبر شأنه بمساعدة من قريب أو حزب سياسي أو تنظيم نقابي...الخ... حين كنت أستدعى من
طرف جهة غير مغربية للمشاركة في تظاهرات ثقافية خارج الوطن، أجد امتناعا من الجهة المشغلة
لي بالترخيص لي بدعوى أنني مستدعى من طرف دولة أجنبية وأن المغرب ليس هو المفوض لي
كي أمثله... مع العلم أن بلدي لم يسبق له أن اقترحني إطلاقا، كنت أتلقى دعوات خاصة
وكأنني لست مغربيا... ماعلينا، فالجهات المغربية أخفت عني الكثير من الدعوات الخاصة...
هكذا يطلب منك أن تخطر الجهات الأجنبية التي تستدعيك أن تبرمج نشاطاتها في فترة العطل،
وكأنك تملك هذه القدرة. آنذاك يمكن أن يسلموك رخصة مغادرة التراب الوطني وفي فترة طالت
أكثر من اللازم كان عليك أن تؤدي ضريبة مغادرة التراب الوطني خمس مئة درهم ثم قلصت
بعد لأي الى مئة درهم حتى لو استدعيت الى سبتة ومليلية وهذا خطأ لايغتفر بتاتا. وإن
حدث بشكل استثنائي أن سمح لك بالمشاركة خارج الوطن في نشاط ثقافي في غير أيام عطلك
السنوية فلن يلبى طلبك إلا مرة واحدة في السنة
شريطة أن لاتكون من مدرسي أقسام الامتحانات الرسمية إن كنت تابعا لوزارة التربية الوطنية.
وحدهم أساتذة الجامعات لم يكونوا مطالبين بهذا... لست أدري ما الذي يحدث الآن في مثل
الظروف التي عاشها جيلي... يبدو أنه من الوهم المطالبة بتفرغ الكاتب... أما عن إثبات
صفة كاتب في بطاقة التعريف فقد أصبح الأمر متجاوزا لأن الدولة تخلت عن إثبات المهنة
في بطاقة التعريف الوطنية وجواز السفر ولم يفضل سوى تسجيل ذلك في البطاقات التي تسلمها
الجمعيات والنوادي الثقافية. يبدو أخيرا أن المطلب القريب من إمكانية التحقيق الذي
يجب أن نناضل من أجل الحصول عليه جميعا هو تمتيع الكتاب بتخفيضات تصل الى خمسين في
المئة في وسائل النقل بجميع أصنافها وفي الفنادق المصنفة. وأن تضمن لهم الدولة الرعاية
المميزة في الاستشفاء لمن لا يمتلك تغطية صحية، وأن تسهل لهم كل الجهات أمر ولوج المسارح
في التظاهرات والحفلات الفنية التي يساهم فيها فنانون وفرق استعراضية من كل دول العالم .
إدريس الصغير.
مع فائق التقدير،
ادريس الصغير | driss.seghir@hotmail.com
0 التعليقات: