الخميس، 3 أكتوبر 2013

د. أحمد زنيبرشاعر وناقد

نشرت من طرف : ABDOUHAKKI  |  في  8:46 م


تطرح مسألة تفرغ الكاتب للكتابة، في الآونة الأخيرة، إشكالات كبرى تمس مفهومي الكتابة والتفرغ في ذات الآن، وتستدعي بالتالي، نقاشا يتنوع بتنوع المتدخلين وتعدد وجهات النظر. فإذا كانت الكتابة اختيارا تعبيريا وجماليا، عن حالات ومواقف يعيشها الكاتب في حياته مساهمة منه في التنوير والتغيير والتواصل مع القارئ/ الآخر؛ فإن الحاجة إلى التفرغ تصبح أساسيةلضمان منتوج قابل للتصديق والتداول. لكن ماذا نقصد بالتفرغ؟ هل هو التفرغ المجاني أم التفرغ المؤدى عنه؟ ومن ثمة من يستحق هذا التفرغ ووفق أية شروط؟ أسئلة وأخرى تفرض نفسهاعلينا بإلحاح..
صحيح أن عددا من الكتاب تراهم يزاولون نشاطا مهنيا، هو في الأصل الوظيفة التي يتقاضون عنها راتبا معينا (تعليم، طب، محاماة، هندسة، أعمال حرة وغير ذلك) إلى جانب نشاط الكتابة، أو تراهم يزاوجون بين ما هو سياسي وما هو ثقافي، مثلا.وهذا الجمع بين النشاطين غالبا ما يعيق عمل الكاتب، حين يستبد أحدهما بوقت الآخر فيؤثر، تبعا لذلك، سلبا على عمل الكاتب ومردوديته.فكيفله أن يتدبر هذا الإشكال، خاصة وأن الكتابة، بمعناها الحرفي الصرف، تقتضي منه، بشكل مستمر،أن ينوع قراءاته ويعمق معارفه ويجدد مداركه؟.
هكذا حين ينشغل الكاتب بأمور الحياة اليومية ويرضخ لثقل المسؤوليات الأسرية أو المهنية مثلا، يكون مطلب التفرغ أمرا مبررا، حتى يتسنى له إنجاز مشروعه/ مشاريعه الطموحة، كأن يتفرغ لكتابة مذكرات تقدم تجربة ذات قيمة مضافة، أو يتفرغ لإنجاز موسوعة (علمية، أدبية، فنية، فلسفية)تحتاج تدقيقا وتمحيصا، أو يتفرغ لإنجاز بحث يتطلب تركيزا ذهنيا أكثر، وله سقف زمني محدد، أو يتفرغ لإنجاز عمل إبداعي جديد، أو ما دون ذلك من المقترحات الموضوعاتية، التي تستحق أن تحتضن وتدعم، ظل منافسة علمية شريفة.
وبهذا المعنى، يكون "التفرغ" من أجل قضية أو فكرة أو موضوع ما، لحظة زمنية يحتاجها الكاتب للتأمل والتفكير وإعمال النظر واستحضار المقروء والمرئي، تسهل عليه فعل الكتابة وتضمن له مسارا موفقا إلى حد بعيد. هذا دون أن نتحدث عن باقي الطقوس التي تستلزمها الكتابة، كاستحضار المكان والمناخ العام والحالة النفسية للكاتب. كل هذا وذاك، من شأنه أن يقدم عملا متميزا ذا بال، يعود بالنفع العميم على المؤسسة/ الدولة، وعلى الفرد/ القارئ المفترض.
غير أن تمتيع الكاتب بصفة "التفرغ"، لا ينبغي أن يتم استغلالها من طرف المستفيد/ المستفيدون بطريقة تجردها من المعنى الحقيقي، الذي سخرت له. فالحصول على منحة التفرغينبغي أن تقترن بشروط موضوعية موصوفة،تقيس درجة الجدّة والجودة في المشروع الكتابي المقترح (حجم وطبيعة وقيمة الموضوع)، كما ترصد مدى مسؤولية الكاتب والتزامهالأدبي بتنفيذ العمل وفق أجندة محددة، يمكن من خلالها تقييم المنتوج واستخلاص قيمته العلمية والأدبية، عند الانتهاء، كما تضمن الحق في المشاركة وفي الاختلاف.
وبناء عليه، لا يمكن في ظل التنافس الشريف بين الكتاب والأدباء، وفي ظل التواصل الإيجابي مع الآخر، إلا أن ندفع بفكرة "التفرغ" إلى الأمام، ونتشبث بها كمكسب ثقافي بامتياز، يضمن وضعا اعتباريا للكاتب، لسبب واحد ووحيد هو الإيمان بجدوى الكتابة والانتصار لها، بما هي فكر ووجدان ورسالة.

التسميات :

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة

0 التعليقات:


اخبار الأدب والثقافة

الآراء الواردة في المقالات والبلاغات تعبرعن أصحابها وليس إدارة التحريرــ الآراء الواردة في المقالات والبلاغات تعبرعن أصحابها وليس إدارة التحرير back to top